قضية الدين والإيمان ليس فيها أوساط حلول

فقضية الإيمان لا يوجد فيها أوساط حلول وليس فيها مجاملات، وليس فيها التقاء في وسط الطريق، فليست المسألة مسألة سلعة بينك وبين شخص آخر, تسومها بمبلغ من المال، وهو يطلب مبلغاً آخر، ثم تتفقان على مبلغ وسط بينكما.

إن قضية الدين والإيمان ليس فيها أوساط حلول, إنما هي قضية واضحة لا تجوز المداهنة ولا المداراة أو المماراة فيها.

وحين تنتقل إلى سيد المرسلين وخاتمهم، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تجد العجب العجاب، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم، بغض النظر عن مواقفه الشخصية -وهي كثيرة- في براءته من أقاربه إذ كانوا غير مؤمنين, كما قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري قال: {إن آل بني فلان -يصف قوماً من أقربائه من قريش- ليسوا بأوليائي وإنما وليي الله وصالح المؤمنين} فيتبرأ عليه الصلاة والسلام من أقرب الناس إليه لأنهم غير مؤمنين, وفي مقابل ذلك كان صلى الله عليه وسلم يدني ويقرب من كان مؤمناً، مهما كان نسبه أو بلده أو لونه, فكان في خاصة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بلال، وصهيب، وعمار وأشباههم وأمثالهم من المؤمنين الصادقين.

ولكن الأمر الذي ينبغي التوقف عنده هو قضية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم تمكَّن من أمر لم يذكر عن كثير من الأنبياء، وهو أن الله مكّنه من إقامة دولة قوية تحكم بالإسلام في المدينة المنورة, وقوام هذه الدولة كان من المهاجرين والأنصار, فالمهاجرون من قريش من مكة، والأنصار من المدينة.

وكانوا يخشون أن تثور العداوات والحروب فيما بينهم, والأنصار أنفسهم -في المدينة- كانوا منقسمين على أنفسهم قبل الإسلام, ودارت معارك ضارية لعل من أشهرها يوم بعاث، وهو يوم تاريخي مشهور بين الأوس والخزرج، وقد سالت فيه الدماء، وتطايرت فيه الرءوس، ولمعت فيه السيوف, وكانت ذكرياته مرة، حتى إن اليهود كانوا إذا أرادوا أن يثيروا الأحقاد بين المسلمين، أمروا أن ينشد ببعض أناشيد وأشعار يوم بعاث، فيثور الأنصار -الأوس والخزرج- إلى سلاحهم من شدة الغليان والغضب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015