ليس في الإسلام وحدة وطنية

إذاً: مسألة المصلحة الوطنية، والوحدة الوطنية ليس لها وجود في الإسلام, والوحدة وحدة على الدين والعبادة فقط, ولهذا يقول إبراهيم ومن معه لقومهم: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] والغريب في قوم يقرءون هذا القرآن، وأنزلت عليهم هذه الآيات وهذه الحجج، ثم تجد أنهم يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.

فنسمع ولا أقول من عامة الناس، فقد جرت العادة -دائماً أو غالباً- أن العامة قد تضيع كثير من المفاهيم عندهم، وقد تلتبس كثير من الأمور، خاصة إذا قلّ العلم والعلماء، وشغلوا بأمور جانبيه عن القضايا الأصلية التي ينبغي أن يقرروها.

لكن من المؤسف كل الأسف إذا فسد الملح، كما كان يقول عبد الله بن المبارك: يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد أي: الطعام يصلحه الملح، لكن إذا فسد الملح نفسه فماذا يصلح الملح؟!! لا شيء يصلحه.

فالمصيبة إذا كان بعض الدعاة -أحياناً- أو أقول بلهجة أصح: المنتسبين إلى الدعوة، قد يضيع عندهم هذا المفهوم، فتجد من بينهم من ينادي بما يسميه بالوحدة الوطنية، التي تجمع الشيوعي إلى جوار المسلم، إلى جوار القومي، إلى جوار النصراني، إلى جوار اليهودي، والراية التي تظللهم هي الوحدة الوطنية كما يقولون.

فيرددون: جمع ولمّ شمل الوطن الواحد.

ودعك الآن من الحكام الذين يرفعون هذه الراية؛ لأن الحاكم الذي يرفع هذه الراية هو أصلاً يريد أن تستتب الأمور له، وتجتمع الأمة عليه, ولا يهم بعد ذلك إذا كان يحكم، يهودياً أو نصرانياً أو مسلماً أو غير ذلك! بل يهمه أن يدوم له السلطان، لكن الأمر المؤسف أن يقع الداعية في هذا الأمر, فنسمع من بعض المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية، مناداة بالوحدة الوطنية، على أنهم يسمعون صباح مساء قول الله عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] .

إن من أطرف وأعجب ما قرأت: أن أحد الكتاب يتحدث عن الوحدة الوطنية، ويحاول أن يلتمس لها مبرراً أو مسوغاً في الإسلام, فبماذا استدل؟! استدل بقصة موسى وهارون: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه:93-94] وهذا موسى يخاطب هارون عليه السلام, قال هارون كما قال الله تعالى: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه:94] فيقول: هذا دليل على مراعاة الوحدة الوطنية! ولا أدري كيف غاب عنه وعن وعيه أن يستدل بمعنى فهمه فهماً غير صحيح في كلام هارون, وينسى أن يستدل بكلام واضح صحيح، لا يختلف على معناه من كلام موسى عليه السلام.

المهم أن هذا موقف إبراهيم عليه السلام من قومه, بل إن والد إبراهيم آزر كان الموقف معه واضحاً: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنعام:74] والله تعالى عاتب إبراهيم على دعائه لوالده, فإبراهيم دعا لأبيه قال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:41] فعاتبه الله عز وجل على هذا الدعاء، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة:114] وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يلقى إبراهيم أباه يوم القيامة، وعليه قترة وغبرة تغشى وجهه, فيقول له: يا أبتي ألم آمرك فعصيتني؟ يقول: يا ولدي! اليوم لا أعصيك, فيأتي إبراهيم ربه عز وجل يشفع لوالده, ويقول: يارب! إنك وعدتني ألاَّ تخزيني -بناءً على أن الله تعالى أجاب دعاءه يوم قال: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء:87-88]- وأي خزي أخزى من قذف أبي في النار, فيقول الله عز وجل له: يا إبراهيم! إني حرمت الجنة على الكافرين، ولكن انظر، فينظر إلى أعلى فينفخ الله عز وجل والده حيواناً قبيح الخلقة، سيء الشكل متلطخاً، فإذا نظر إليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد مسخ صورته قذره واستبشعه وطابت نفسه.

فيؤخذ بقوائمه فيلقى في نار جنهم} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015