الولاء والبراء عند الأنبياء

وتاريخ النبوات وأتباع الأنبياء حافل بالأمرين, فلو تأملت في القرآن الكريم تجد قصة نوح وابنه، قال تعالى: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:45-46] وفي قراءة (إنه عَمِل غيرَ صالح) إذاً

صلى الله عليه وسلم إن ولدك الذي خرج من صلبك قطعاً ولا شك ولا ريب -فليس المقصود نفي أبوته له- إنه ليس من أهلك، لماذا؟ إنه عمل غير صالح, لأن عمله عمل غير صالح, فلما زالت رابطة الدين وانحلت ذهبت معها كل الروابط والعلاقات الأخرى.

وكذلك نوح عليه السلام مع زوجته، قال الله عز وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم:10] , بالرغم من أن نوحاً عليه السلام كان يقول: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:28] بل نستطيع أن نفهم من هذا النص، من دعاء نوح عليه السلام, أن والد نوح وأمه كانا مسلمين, ولو لم يكونا كذلك لعاتبه الله على الدعاء لهما بالمغفرة، كما عاتب إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كما سوف يأتي.

وإبراهيم عليه السلام كانت فيه أسوة حسنة للذين آمنوا، قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة:4] فتبرءوا من قومهم، مع أنهم في وطن واحد ومن أصل واحد، والنسب واحد، والرقعة الجغرافية واحدة، وقد يكون نظام الحكم الذي يظلهم في ذلك الوقت واحداً، ومع ذلك كما قال تعالى: {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة:4] وقالوها بلهجة واضحة ليس فيها غموض ولا لف ولا دوران: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015