Q ألَّف أحد طلبة العلم كتاباً في تقويم تفسير أحد العلماء الذين قدموا أنفسهم في سبيل الله، وعنونه بالمورد الزلال إلى آخر العنوان, فما رأي فضيلتكم في تقويم هذا المؤلف, هل حالفه الصواب أم جانبه؟ أرجو الإجابة على ذلك؛ لأن وجهات نظر كثير من طلبة العلم, اختلفوا حوله, بين مؤيد ومعارض, نرجو الإجابة الشافية؟
صلى الله عليه وسلم من الملحوظات أن كثيرًا من الناس يشغلون أنفسهم بمثل هذه القضايا عما هو أهم منها, فقد تجد إنسانًا لا يعرف من القضايا الشرعية -معرفة جيدة- إلا القضايا التي يجري حولها الخلاف, لأنه يهتم بذلك ويحب أن يعرف ماذا قال فلان, وماذا قال فلان, وكيف رد عليه, وكيف أجاب، إلى آخره.
ولذلك فإنني أقول: إن على الإنسان أن يأخذ مثل هذه القضايا بشيء من السعة ويتقبل ما فيها من صواب, ويرد ما فيها من خطأ, دون أن يحدث من جراء ذلك قضية كبيرة تشغل الناس فترة من الوقت.
أما فيما يتعلق بالمؤلف الذي أشار إليه السائل، فإنني قد قرأته, وخلاصة ما يمكن أن أقوله في هذا الكتاب: أن ما فيه من ملاحظات ينقسم إلى أقسام, فهناك ملاحظات غير قليلة حالف الصواب فيها صاحب المورد الزلال رحمه الله, وخاصة القضايا الإعتقادية، فهو في غالبها قد أصاب.
النوع الثاني من الملاحظات: ملاحظات سببها عدم فهم المؤلف لمقصود صاحب الكتاب الأصلي, فرد على ما ظهر له من العبارة, والعبارة تدل على شيء آخر غير ما أراده تمامًا.
القسم الثالث من الملاحظات: هي عبارة عن ملاحظات ليست علمية, وإنما هي قضايا انطلق فيها من رؤية خاصة أو نظرة معينة, ورد على المؤلف فيها، وبعضها قد يكون من القضايا القابلة للاجتهاد, فبعضها مسائل فقهية مثلًا قابلة للأخذ والرد, لأن قضايا الفقه لا تستلزم الرد على مؤلف؛ لأنه -مثلاً- خالف المذهب، فهذه قضية أخرى, وإن كان سيداً رحمه الله ليس من الناس الذين تخصصوا في مجال الفقه, فهو غالباً ينقل من كتب، كما ينقل من ابن كثير أو من الجصاص أو من غيرهم.
وفي الكتاب قضايا كثيرة، مثل القضايا الفلكية التي تحدث عنها، كما قد أشار سيد رحمه الله إلى قضية دوران الأرض, أو بعض المعلومات الفلكية التي نقلها من مصادر متخصصة, وغير ذلك, فهذا تقويم عام، والأمثلة لا يتسع المجال لسردها, وإلا فلدي أمثلة على كل نوع مما ذكرت.
أما أسلوب الكتاب فلعله كان يحتاج إلى شيء من الليونة واللطف, أكثر مما هو عليه, خاصة وأننا نعلم أن سيداً رحمه الله -فيما نظن والله تعالى أعلم- أنه كان يبحث عن الحق ولو أخطأ, ثم إن الرجل له أتباع في أماكن كثيرة, حين يجدون الأسلوب فيه شيء من الشدة؛ ربما يدفعهم هذا إلى نوع من العصبية فيردون الحق، ونحن لا يهمنا أن نسقط قيمة الشخص, بل نحن يهمنا أن نبين للناس الخطأ لئلا يغتروا به, ولذلك وقع هذا في أكثر من مكان، وصار كثير من الناس الذين كان ينبغي أن يقرءوا الكتاب ويأخذوا ما فيه من الحق, صاروا ينبذون الكتاب ويحاربونه, لماذا؟ لأنهم يرون أن فيه بعض العبارات التي لا تناسب, والتي كان الأولى ألا توجد.
على كل حال نحن نعتقد في مؤلف الكتاب أنه ذو نية حسنة, وهو قد قدم إلى ما عمل، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر له ويتجاوز عنا وعنه, وأن يرفع درجاته في المهديين، وأن يعفو عن جميع علماء المسلمين ما قد يكون قد حدث منهم من خطأ أو تقصير, وهو مغمور في جانب فضائلهم وحسناتهم.