تقديس الأشخاص

الملاحظة الثانية هي: ملاحظة على النقيض من الملاحظة الأولى, فإننا نجد في المقابل أن هناك من يعظم الأشخاص ويقدسهم ويستبسل في الدفاع عنهم, حتى إنه لا يكاد يعترف لهم بخطأ مهما كان, وصحيح أن الجميع متفقون نظريًا على أنهم ليسوا بمعصومين، فكل واحد يريد أن يدافع عن شخص دفاعًا مستميتًا غير موضوعي, يقدم لدفاعه بقوله: إنني أعترف أن هذا الرجل غير معصوم من الخطأ بل هو كغيره عرضة للخطأ, لكنه حين يبدأ في مناقشة ما نسب إلى مثل هذا الرجل من أخطاء يفند جميع هذه الأخطاء ولا يعترف بواحد منها, فيخرج في النهاية وقد برّأ هذا الرجل من جميع الأخطاء والعيوب وإن كان يعترف نظريًا بأنه غير معصوم, وهذا الأسلوب غالبًا ما يصدر عن عصبية، إما عصبية حزبية كما هي الحال بالنسبة للأفراد الذين قد ينتسبون إلى هذا الخط الذي يمثله هذا الداعية أو ذاك, أو عصبية مذهبية، أو عصبية مشيخية, بسبب التلقي عن هذا الشيخ, وهذه العصبية ترى في الاعتراف بخطأ الشيخ قدحًا فيه, وحطاً من قدره, وهذا أيضًا يوجد في بعض ما كتب عن الأشخاص الذين مثلت بهم سابقًا.

فأنت حين تقرأ عن بعض ما كتب عن حسن البنا رحمه الله وخاصة ما كتبه عنه سعيد حوى في عدد من كتبه, تجد المبالغة في ذلك, وتفنيد الأخطاء, وتأويل الكلام, وصرفه عما يدل عليه, بل ربما يتبنى الإنسان قولاً خاطئاً ويقول به حتى يوافق هذا الرجل عليه، لئلا ينسب إليه خطأ وقع فيه, وقل مثل ذلك في بعض ما كتب عن الأستاذ سيد قطب رحمه الله.

ونحن نشهد الله عز وجل على محبة هؤلاء الرجال جميعًا, وتقدير ما قاموا به من جهود وبلاء في خدمة الإسلام, والدفاع عنه, وأنهم كانوا على ثغرات من ثغرات هذا الدين ينافحون عنه, على أن لا يؤتى الإسلام من قبلهم: وآثارهم تنبيك عن أخبارهم حتى كأنك بالعيان تراها لكن هذا الحب لا يمنع -أبدًا- من ذكر أخطاء وقعوا فيها.

ثم أرأيت لو أن إنسانًا اعترف بأن حسن البنا أو سيد قطب أو المودودي أو الألباني أو فلان أو غيرهم وقعوا في خطأ, أو خطأين, أو عشرة أخطاء, أو عشرين خطأ, كان ماذا؟ ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه فمن نبل المرء وكماله أن تكون أخطاؤه معدودة, وبصفة خاصة حين تكون الأخطاء لا تتعلق بالجانب الاعتقادي.

والحقيقة أن الأخطاء الفقهية -أيها الإخوة- قابلة للنقاش؛ لأن الأمر فيها يدور على راجح ومرجوح, أو -على أشد الأمور- يدور على خطأ وصواب, وكذلك قضايا الاجتهاد في أمور الدعوة ومواجهة الواقع هي مسائل الأمر فيها يسير, لأن القضايا الاجتهادية للعقول فيها مدار كبير, ومراعاة المصلحة فيها مطلوبة, لكن الأخطاء العقائدية يجب العناية بإبرازها وإظهارها, والتنبيه عليها، وإن استدعى الأمر أن يذكر الشخص الذي صدر منه الخطأ فلا بأس بذلك.

فنقول -مثلاً- إن الإمام حسن البنا مثلاً في كتاب العقائد قال: كذا، وهذا يخالف ما عليه السلف، حيث قال بالتفويض في موضوع الأسماء والصفات مثلاً, أو أن الأستاذ سيد قطب في ظلال القرآن أوَّل عددًا من الأسماء وعدداً من الصفات, وهذا يرجع إلى الملاحظة الأولى: أننا لا نعتبر هذا مدخلاً للحط من قدر الشخص, فنقول: هذا رجل قال كفرًا وهذا جهمي, وهذا معطل, هذا كذا, لكن ننبه على الأخطاء مهما كانت، خاصة إذا كانت تتعلق بجانب العقيدة, ونبين المنهج الصحيح الذي يعتقده أهل السنة والجماعة -المنهج السلفي- في هذه القضايا, مع حفظ أقدار الرجال, فهذا لا بد منه.

وذلك لأن قضايا العقيدة ليست قضايا راجح ومرجوح, أو خطأ وصواب, بل هي قضايا حق وباطل, أو هدى وضلال, فهذه القضية تقابل القضية الأولى.

إذاً: علينا أن ننظر بميزان معتدل.

والكلام النظري -أيها الإخوة- فيه يسر لكن التطبيق العملي صعب, فأنت حين تقع على خطأ، وتجد أن هذا المصنف قد تحمس له وساق الأدلة وسردها, تشعر أنك أمام خطأ وانحراف، فتجد أنك عندما تبين الخطأ قد تجحف وتظلم هذا الرجل.

وعلى العكس من ذلك حين يشرب قلبك هوى رجل من الرجال وتحبه وتحسن الظن به, فإنك لا تجد في قلبك مكانًا لتقبل أي خطأ ينسب إليه, فتعويد الإنسان نفسه وتدريبها على الاعتدال والإنصاف عمليًا هو من الأمور العزيزة التي يجب على الداعية وطالب العلم والشاب المسلم أن يربي ويوطن نفسه عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015