القاعدة الثامنة: (نبذ التقليد والتعصب) .
فإن من أهم أسباب الخلاف والفرقة التعصب والتقليد للشيخ والفقيه والمعلم أو للجماعة التي قد ينتمي إليها الإنسان أو للداعية الذي قد يجلس إليه أو يجتمع إليه والذي ندعو إليه دائماً وأبداً أن نقول: يا أحبة افتحوا نوافذ عقولكم، دعوا الهواء الطلق يهب عليها، واقرءوا بعيونكم، واسمعوا بآذانكم، وفكروا بعقولكم، ثم اجتهدوا في الحكم، واحرصوا قدر المستطاع على العدل والاعتدال والإنصاف والتوسط، وسوف يوفقكم الله عز وجل، وإذا أخطأ الإنسان فلن يكون خطؤه بعيداً.
أما أن تكون القضية تقليداً، وقد رضي الإنسان منا عن نفسه وعقله بأن يقلد فلاناً، فإذا قال: شرقوا شرقنا أو غربوا غربنا، كما قال الشاعر الجاهلي: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشدِ أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ فلما عصوني كنت منهم وقد أرى غوايتهم أو أنني غير مهتدي هذا ليس بصحيح وهذا منهج الجاهلية.
أما منهج الإسلام فإنه منهج المسئولية الفردية، ومنهج المحاسبة الذاتية، كما قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93-95] {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9-10] {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] فالله تعالى ما أعطاك العقل وهو يريد منك أن تقلد في دين الله تعالى الرجال.
نعم اقرأ وتعلم واستفد من العلماء ومن الدعاة ومن الناس، لكن -يا أخي- من الذي رهن عقلك لزيد وعبيد؟! ومن الذي جعل رأيك يدور مع فلان حيث دار،.
ولو أننا نبذنا التعصب والتقليد لانتهى جزء كبير جداً من الخلاف بين المسلمين ومن التباعد والتباغض بينهم، لأن هذا سيجعل الخلاف أقل مهما كان قد يكون الخلاف بيني وبينك حينئذ في مسألة أو مسألتين، لكن إذا كانت القضية قضية تعصب فسوف يكون الخلاف بيني وبينك خلاف منهج كما يقال، فكل ما يقوله فلان عندك صواب وأنا كل ما يقوله فلان عندي صواب، ولذلك تكون الشقة بيني وبينك بعيدة، لأنها سوف تنتظم مئات المسائل.