النقطة الرابعة هي: أن يعلم الإنسان أن النقص مركبٌ في الدنيا، سواءً بطاعة أو بمعصية، أي: هناك تعب للإنسان، والشقي والسعيد كلهم يتعبون، يقول صلى الله عليه وسلم: {كل الناس يغدو} أي: كل الناس يتعبون ويجهدون، ولا يوجد أحد مرتاح في هذه الدنيا.
كل من لاقيت يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن فالمؤمن يشكو والكافر يشكو، فقد يكون المؤمن فقيراً قد يكون غنياً، وكذلك الكافر وقد يكون المؤمن صحيحاً وقد يكون مريضاً، وكذلك الكافر، وقد يكون المؤمن قوياً وقد يكون ضعيفاً، وكذلك الكافر.
إذاً: هذه الدنيا مركبة على النقص، وحتى الإنسان حين يتجه إلى أموره الدنيوية فإنه يتعرض لنقص، إما من مرضٍ أو فقرٍ أو مصائب أو أحزان أو غير ذلك؛ لكن تعب السعيد شيءٌ آخر ولا أريد أن أتحدث عنه فسبق وأن تكلمت عن تعب السعداء وتعب الأشقياء؛ لكن أضرب لكم أمثلة سريعة تناسب المقام يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وهو حديث صحيح: {لا يجد الشهيد من ألم القتل إلا كما يجد أحدكم من القرصة} أي: قرصة العقرب، وأمرها سهل.
إذاً: الموت مكتوب على الجميع، وكل الناس يتألمون من الموت، لكن الشهيد مع أن له عند الله الكرامة العظيمة حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {للشهيد عند الله سبحانه وتعالى ست خصال -وذكر- أنه يغفر له مع أول قطرة من دمه، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع…} إلى آخر ما قاله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فموته في الدنيا ليس موت تعب، بل كما يجد أحدكم من القرصة.
وقد تسمع بمغنٍ أو فنان أو خبيث من خبثاء الدنيا، جلس أياماً في فراش الموت يعاني من الآلام والمصائب والمصاعب المبرحة ما أن لو وضعت على جبل لانهد وتفتت والعياذ بالله " {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:85]-نسأل الله العفو والعافية- فهذا نموذج.
نموذج ثانٍ: {مرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بامرأة -كما في الصحيح- وهي تبكي على قبر -أي: عند قبر ولدٍ لها مات- فقال لها صلى الله عليه وسلم: اتقِي الله واصبري، فما عرفت المرأة الرسول صلى الله عليه وسلم- فقالت: إليك عني -ابتعد عني- فإنك لم تصب بمثل مصيبتي، ثم قيل لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت عنده فلم تجد عنده بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك، واعتذرت إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى} فكل المصائب وكل الأحزان عند الصدمة الأولى.
يا أخي الحبيب -مثلاً- أنت لم تتعود على الشيء، ولذلك تخاف منه، لكن الخوف بحد ذاته هو الخطر وإلا لو أزلت هذا الخطر وهذا الخوف؛ لتبين لك أن الأمور أقل مما تتصور.
فمثلاً: كثير من الناس يكرهون أن يتكلم الناس فيه، فهو حساس، ولا يجب أن يسمع أي كلمة نقد، ولذلك تجد أن الإنسان دائماً حذر يأتي من هنا ومن هنا يحب أنه لا يسمع أي ملاحظة؛ وهذا مستحيل، فالناس: أولاً: لا بد أن يتكلموا فيه، فليس هناك أحد من البشر المخلوقين يرضى الناس كلهم عنه، كما سبق أن تكلمت في محاضرة: المستقبل للإسلام.
إذاً: لا يمكن أن ترضي الناس كلهم، فهذه واحدة.
الثانية: أنك إذا جعلت همك هو إرضاء الله عز وجل، وتحري الصواب؛ فبعد ذلك يمكن أن أول مرة تسمع فيها كلمة نقد تجرحك؛ لكن عندما تسمعها مرة ثانية وثالثة، ورابعة وخامسة وعاشرة؛ يصبح الأمر عندك طبيعياً؛ فيصبح الذي يقول لك: أخطأت ولماذا وماذا، مثل الذي يقول لك: أحسنت وجزاك الله خيراً، فيكون الأمر عندك سيان، فهذا أمر يعطيه الله العبد وهو الصبر عند الصدمة الأولى.
إذاً: إذا أردت -مثلاً- أن تعود نفسك على أي أمر من الأمور، فابدأ بالصبر عند الصدمة الأولى، فمثال هذا الكلام ينطبق على كل شيء.
مثلاً: الآن أنت شاب تريد أن تتدرب على الكلام أمام الناس فيكون عليك الصبر عند الصدمة الأولى، فأنت أول مرة سوف تجد صعوبة في الكلام وستجد أنك مضطرب، ويمكن أن يضيع نصف الكلام الذي سوف تقوله؛ لكن إذا وقفت ثم استمريت في الحديث؛ بعد ذلك تجد في المرة الثانية أن الأمر عندك هين، كما يقولون بالنسبة للسباحة، فلكي يتعلم الإنسان السباحة؛ يحتاج إلى أن يجزم أول مرة بعد ذلك يهون الأمر لديه، فكل الأمور الشرعية الجهاد في سبيل الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الاتصال بالناس، الدعوة إلى الله، الوقوف أمام الناس، الكتابة، الخطابة إلى غير ذلك، كل الأشياء الصبر فيها عند الصدمة الأولى، فأزل هذا الوهم -وهم الخوف- الذي يمنعك، ثم بعد ذلك ستجد الأمور سهلة -بإذن الله تعالى- أكثر مما تتصور.