ولذلك -أيضاً- أمر الله عز وجل المؤمنين أن يكون من بينهم من يتفقه في الدين، فقال سبحانه: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين} [التوبة:122] لأنفسهم ولقومهم: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] وأثنى الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة على الفقه في الدين وعلى المتفقهين فيه، كما في الحديث المتفق عليه، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} ولما سئل صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، من أكرم الناس؟ قال في آخر الحديث: {فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا} والحديث -أيضاً- متفق عليه، ولاشك أن المقصود بالفقه في هذين الحديثين المعنى العام، الذي هو المعرفة بالدين، والمعرفة بالعقائد الصحيحة، والمعرفة بكتاب الله، والمعرفة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكننا سنتحدث في هذه المحاضرة عن المعنى الاصطلاحي الخاص للفقه في الدين، ونعني به معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، معرفة الحلال والحرام والمستحب والمكروه والمباح، من الأدلة الشرعية المعروفة، وليس المقصود بالحديث التفقه في الدين بمعناه العام.