الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
أيها الإخوة والأخوات: إن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق الخلق، ولذلك فهو المستحق وحده لأن يعبد، فالذي له الخلق هو الذي له الأمر، ولذلك جمع الله بينهما في قوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] فكما أن الله هو الخالق المتصرف في الأكوان، المقدر للأقدار، فهو -أيضاً- سبحانه المستحق للعبادة، المشرع لعباده.
ولذلك فإنه لا يحق لأحدٍ أن يقبل ديناً من عند غير الله، وهذه القضية هي قضية أصولية جوهرية في الإسلام، فحق التشريع هو لله وحده، وهو الحاكم والحكم بين عباده، ومن قبل من غير الله ديناً أو شرعاً أو حكماً أو تحليلاً أو تحريماً؛ فقد اتخذ من هذا الذي تلقى عنه إلهاً من دون الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] ويبين سبحانه أن ما عدا الشريعة فهو الهوى، فيقول: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18] وهذه القضية الواضحة هي جزء من معنى الإيمان بالله عز وجل وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وقد ذكر الله تعالى في كتابه صنفين من الناس:- الصنف الأول: هو صنف المنافقين، الذين لا يقبلون حكم الله ولا ينقادون له إلا حين يوافق أهواءهم، فيقبلونه ليس لأنه حكم الله، لكن لأنه يوافق الهوى، وقد ذمهم الله عز وجل بقوله: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُون * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور:48-50] .
الصنف الثاني: هم المؤمنون المسلمون، المستسلمون لله عز وجل، وهذا الاسم الذي يحملونه، الإسلام: يعني الانقياد والطواعية التامة لحكم الله ورسوله، سواء أوافق الهوى أم خالفه، وقد مدحهم الله عز وجل وأثنى عليهم بقوله: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:51-52] .
فالأمر بيّن واضح، المؤمن المسلم منقاد لحكم الله ورسوله، والذي يعترض على حكم الله أو يأباه أو يرفض الانصياع له فهو منافق وليس بمؤمن، ولذلك فإن المؤمن لا يحول بينه وبين امتثال حكم الله ورسوله، إلا أن يعرف هذا الحكم، فإذا عرفه انقاد له برغبة وقبول واستسلام، كما قال الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] لا يحول بين المسلم وبين تنفيذ الحكم الإلهي إلا معرفة هذا الحكم، فإذا عرفه استجاب له، سواء أعرف العلة من وراء ذلك أم لم يعرفها، وسواء أوافق هوى الناس أم لم يوافقه، وسواء أوافق هوى النفس أم لم يوافقه، فهذا حكم الله ينقاد له مسلماً بلا حرج.
ولذلك فإن من المهم أن يعرف كل مسلم تحلى بهذه الصفة أن لله عز وجل في كل واقعة حكم، وهذه قاعدة أصولية مهمة، فما من قضية تقع إلا ولله ورسوله فيها حكم، إما تحليل أو تحريم أو كراهة أو استحباب أو إباحة، ولا تخلو قضية أو واقعة من حكم لله ورسوله.
ولذلك فإن المسلم لا ينفك عن امتثال حكم الله ورسوله في كل واقعة تعرض له في حياته، والمسلم يستطيع معرفة حكم الله ورسوله، إما عن طريق البحث في الكتب والنظر في الأدلة والتوصل إلى هذا الحكم، إن كان أهلاً لذلك، أو عن طريق سؤال أهل العلم الذين أمر الله عز وجل من لا يعلم بسؤالهم، فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] .