Q هذا يسأل عن قضية تعدد الأفكار والمناهج في الدعوة، وما السبيل إلى تلافيها؟
صلى الله عليه وسلم في الواقع أن الخلاف إذا كان داخل إطار أهل السنة والجماعة، والمنهج الصحيح، فالأمر فيه يسير، وينبغي أن نعود أنفسنا والناس على أن الخطب هين، ونحن نشترط شروط: أولها: أن تكون عقيدتك عقيدة أهل السنة والجماعة، فلا تأتنا ببدعة من بدع الصوفية، أو المعتزلة، أو الرافضة، أو الباطنية، أو غيرها، بل تلتزم بالمنهج الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، في توحيد الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات، وغير ذلك.
الشرط الثاني: الانصياع للدليل الشرعي، فلا تقدم على كتاب الله، وسنة رسوله أحداً، فإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل: دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر فإذا جاءك قال الله، فلا تقل: قال الشافعي، قال مالك، قال أحمد، قال أبو حنيفة، فإذا قال الله، سقط كل قول عند قول الله تعالى، مع أنك تعلم أن هؤلاء الأئمة، وغيرهم ليسوا إلا مقتبسون من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، مغترفون من بحره.
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفا من الديم فتعظم الأئمة، وتتبعهم، لكن بالدليل، إنما في البداية أنت موافق معنا على أنه إذا استبان الدليل، لم يكن لأحد أن يدعه لقول إنسان كائناً من كان، فهذا الشرط الثاني، فإذا وجد عندك هذان الأمران، فإنك من أهل السنة والجماعة، كيف تدعو إلى الله تعالى؟ تقول: أريد أن أُعلِّم الناس العلم الشرعي، لأن الناس في حاجة إليه، فجلست في المسجد حلقات بعد حلقات فهذا جيد وحسن، والناس في أمس الحاجة إلى هذا الأمر، لكن لا تخطئ من يشتغل في مجال آخر، فإنسان يشتغل بالوعظ، يقول: الناس ليس عليهم قصور من جهة العلم، وهكذا يتصور، والناس يعرفون أشياء كثيرة لكن ما عملوا بها، فيعرفون أن الربا حرام، ويأكلونه ليلاً ونهاراً، ويعرفون أن الغناء حرام ويستمعونه سراً وجهاراً، فالناس الناس بحاجة إلى أن نحرك قلوبهم بالإيمان، والناس بحاجة إلى سياط الوعظ، فمن هنا من سلك طريق الوعظ، فقل هذا جيد وحسن، فالناس محتاجون إليه.
وشخص ثالث: قام بالتربية، قال: الوعظ والعلم كلها جيدة، لكن نحن بحاجة إلى شباب يتربون، ويطبخون على نار هادئة، حتى يكونوا جنوداً للإسلام، فاشتغل بتربية الشباب، وإعدادهم من خلال المدارس، والمراكز، وحلقات التعليم، وغيرها، فهذا كله جيد -أيضاً- وحسن، وبعض هذه الأمور يكمل بعضاً.
والمهم -أيها الأحباب- ألَّا يكون بعضنا يشتغل ضد البعض الآخر، وألَّا تتناقص هذه الجهود، وأن تتكامل: {كلٌ ميسر لما خلق له} {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء:84] فأنت على ثغرة أنا لا أستطيعها، وأنا على ثغرة أنت لا تستطيعها، ربما يكون العالم الشيخ في حلقته، لو وعظ ما حرك القلوب، وهذا ملاحظ، والواعظ لو تكلم في الفقهيات والشرعيات لأتى بالعجب العجاب، وهكذا كل إنسان يصلح في مكانه، وحسن في موقعه، فإذا خرج عن موقعه فسد وأفسد.
إذاً لا ينبغي أن ينتقص بعضنا جهد بعض، أو يقلل منه.