التوعية والإرشاد والتعليم

الخطوة الثانية وهي ضرورية -أيضاً- وهي: قضية التوعية والإرشاد والتعليم، فالرسول عليه السلام يقول: {الأقربون أولى بالمعروف} ولاشك أن التوعية والإرشاد من المعروف، والرسول عليه الصلاة والسلام وُجِه بقول الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] فجمعهم {يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان، وقال: أنقذوا أنفسكم من النار، لا أغني عنكم من الله شيئاً} فالأقربون أحق وأولى بأن توجه الدعوة إليهم، وغير صحيح أن تدعو البعيد وبيتك نفسه مليء بالمنحرفين والمنحرفات، وألوان الفساد وصوره.

فلابد أن تبدأ بالبيت من خلال التوعية، والتوجيه، والتربية، والإرشاد، وفي ذلك صور منها: 1- التعليم: التعليم: اجعل عندك حلقة في التعليم في المنزل، وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: {أن بعض النساء جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله! غلبنا عليك الرجال -مجالسك كلها عامرة بالرجال- فاجعل لنا يوماً تأتينا فيه فتحدثنا، فواعدهن فقال: موعدكن بيت فلان، فجاء إليهن النبي صلى الله عليه وسلم، ووعظهن وذكرهن، وقال لهن: ما منكن من امرأة يموت لها ثلاثة من الولد، فتحتسبهم إلا كانوا لها حجاباً من النار، فقالت امرأة: يا رسول الله! واثنان، قال: واثنان} وجاء في رواية أخرى: {أن امرأة قالت: وواحد، قال: وواحد} فالمهم في الحديث أن الرسول عليه السلام خصص للنساء يوماً معلوماً، والبخاري بوب على هذا الحديث: باب من جعل للنساء يوماً على حده، فهذا من ناحية.

الناحية الأخرى: أنك تلاحظ في الكلام الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام أنه تكلم مع النساء، ومع أهل البيت بالأمور التي يحتاجونها، إذن لابد أن تحرص على التوجيه والتربية في البيت، خاصة فيما يحتاجه أهل المنزل، وصور التربية كثيرة، ممكن أن تجعل في البيت مكتبة صغيرة فإذا كان عندك كتب ورسائل صغيرة للنساء والفتيات والأولاد، وعندك قصص للأطفال، وعندك مجلات مفيدة، وعندك بعض الكتب التاريخية، وبعض كتب الوعظ والإرشاد، فتجعلها في مكتبة صغيرة، وفي متناول أهل البيت، هيئ لهم أسباب الخير، وبجوار هذه المكتبة مكتبة أخرى صوتية، ومجموعة من الأشرطة المتعلقة بأهل البيت-مثلاً- فيها أشرطة للصغار وأناشيد وقصص وخطب مؤثرة ومواعظ ومحاضرات وأشياء تتعلق بأحكام العبادات أمور تخص المرأة، واجعلها -أيضاً- في متناول أهل المنزل، واجعل هناك برنامج للاستفادة من هذه المكتبة، ومن تلك الكتب.

وفي نفس الوقت، لابد من أمر ثالث، من الضروري أن نفعله جميعاً أيها الإخوة وهو أن يقيم كل واحد منا في البيت درساً، ولو في الأسبوع مرة، إذن الأمر الثالث مع المكتبة الصوتية، ومع المكتبة الصغيرة، هو أن تجعل في البيت جلسة في الأسبوع -جلسة منوعة- للكبار وللصغار وهذه الجلسة تحتوي على، حفظ القرآن، حفظ حديث، مسابقة، شعر، أسئلة، تدريب على بعض العبادات، تنبيه على بعض الأخطاء، ترقيق وتحريك للقلوب، بحيث أنك تستطيع أن تؤثر في أهل البيت، وتعلمهم الضروريات.

وكثيراً ما استشهد -أيها الإخوة- بقصة ذكرها لي بعض الشباب، يقول: عنده جدة عجوز كبيرة في السن، فيوم من الأيام -هذا الشاب- يقول: قلت لجدتي، -يقول في الحقيقة: أنا غافل لكن أحببت يوماً من الأيام أن أسأل- فقلت لها: يا جدة، إقرئي عليَّ بعض القرآن حتى أنظر إن كان عندك أخطاء أو لا، قالت: يا ولدي أنا لا أحفظ شيئاً من القرآن إلا سورة واحدة فقط، أقرأها في كل صلاة، والله عفو كريم، قال: إقرئيها، وظن أنها الفاتحة، يقول: فقالت لي: إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا إليها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا تقول: والله أنا أحفظ هذه من مطوع من زمان، وأقرأها في كل صلاة، والله غفور رحيم، يا سبحان الله! إن هذا الوضع ليس بغريب، وجاءني شاب آخر حدثني عن زوجته، وقال: إنها لا تصلي، ولما أمرها بالصلاة، قالت له: أول مرة أسمع أن المرأة مطالبة بالصلاة، والذي نفهمه أن الدين للرجال، وما عمرنا سمعنا آية تخاطب النساء ولا حديث ولا عالم، ونحن نعرف أن الصلاة للرجال، والنساء ليس عليهن صلاة، وهذا واقع، وقد أعطيته بعض الأشرطة، وسمعت أنه تحسن حالها، وأصبحت تصلي مع المسلمين، وتصلي في رمضان مع الناس، فهذا واقع.

وثالث حدثني عن أخته، وأنه مضى عليها وقت، وهي فتاة لا بأس بسنها، لا أقول: كبيرة لكنها امرأة، لم تكن تعلم بقضية البعث والنشور -لم تعلم- خاصة إذا كانت لم تدرس، ولم تتعلم شيئاً من ذلك، ربما تعرف الصلاة، وتعرف القراءة في الصلاة، وتصلي، لكن قضية بعث ونشور لم تعلم بها.

إذاً هذه الجلسة المقترحة في البيت تعطيهم الضروريات من الدين وتفهمهم وتصحح الأخطاء الموجودة عندهم أياً كانوا، للكبار وللمتوسطين وللصغار وللذكور وللإناث، المهم أنها جلسة، ويكون فيها متعة، ويكون فيها طرافة، وفيها جاذبية، ويجعل الإنسان فيها أشياء من شأنها أن تشد الحضور، وتشد أهل البيت إلى الحضور إلى هذه الجلسة.

2- الأمر بالمعروف النهي عن المنكر: القضية الثانية التي من ضمن التعليم والتوجيه والتربية: قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالكلمة وبالإصلاح، وبالوعظ، ولذلك أنتم تعرفون قصة الرسول عليه السلام، كما في الصحيح: {أن الرسول عليه السلام مر على امرأة، وهي تبكي على قبر -تبكي عند قبر- فقال لها: يا هذه اتق الله واصبري، قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمثل مصيبتي، فذهب الرسول عليه السلام وتركها، قالوا لها: تعرفين من هذا؟ قالت: لا.

قالوا: هذا رسول الله، فأصابها من ذلك هم شديد، وجاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام -فلم تجد عنده بوابين- قالت: يا رسول الله، لم أعرفك، سامحني، قال لها عليه الصلاة والسلام: إنما الصبر عند الصدمة الأول} فأمرها بالمعروف أولاً: بالصبر والتقوى، وأمرها ثانياً: بأنه كان يجب عليها أن تصبر عند الصدمة الأولى، حين سمعت بخبر موت ولدها.

ومرة أخرى: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب -على بنتها ذهب- وهو حديث عمرو بن شعيب وسنده حسن، قال لها عليه الصلاة والسلام: {تؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا.

قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ فخلعتها وألقتهما، وقالت: هما صدقة لله ولرسوله} .

إذاً الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربي أصحابه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث إذا وجد أمراً مما ينكر أو يستنكر نبه عليه، من خلال الوعظ، والإرشاد، والتذكير بالله تعالى، لأن الموقف الآن ليس موقف القوة، واستخدام السلطة، بل الآن نحن في موقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتذكير بالله: {اتق الله، إنما الصبر عند الصدمة الأولى} والوعيد بالنار: {أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار} .

إذاً نحن مطالبون بأن نحيي قلوب أهل البيت، ونربطها بالخوف من الله تعالى، والطمع في رضوانه وجنته، وهذا أمر مبني على تحريك الإيمان في النفوس.

إذاً القضية الثانية هي قضية التربية، والتوجيه، والتوعية، في داخل المنزل، فالآن أمامنا شاب بنى له مكانة جيدة في البيت، فأصبح محترماً، خدوماً، يبذل من وقته لأهل البيت، ثانياً: قام بجهد في التربية، فجعل هناك نشاطاً داخل البيت، تدريس، تعليم، توجيه، إرشاد، فبعد ذلك تأتي الخطوة الثالثة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015