أما الواجب الأول فهو: أن يحرص الشاب الداعية، بل والفتاة على أن يقوموا بمصالح أهل البيت، المصالح والاحتياجات الدنيوية، وذلك من أجل تحقيق مكاسب عديدة في نفس الوقت -فمثلاً- حين يوجد شاب صالح في البيت، لا يتصور أن يصبح هذا الشاب، إما مع مجموعة من زملائه ذاهباً أو آيباً في رحلة، أو في مركز، أو في حلقة علم، أو في مدرسة، وإما أن يكون في عمله الخاص يقرأ في كتاب، أو يحفظ، أو يسمع شريطاً، أو نائماً، وليس له دور في البيت، فمن يشتري الحاجيات، من يذهب بالأهل إلى هنا أو هناك من الأمور التي لا بد لهم منها؟ من يقوم بهذه الوليمة التي عندنا الليلة؟ من يستقبل الضيوف؟ من يودعهم؟ من يستقبل فلان في المطار؟ من يذهب بفلان للمطار؟ هذا الشاب يقول: والله ليس عندي وقت، وأنا مشغول!! فتخلى هذا الشاب عن دوره، وبالتالي جاء دور غيره، جاء دور الشاب المنحرف، فقد يكون هناك شاب آخر أخ له منحرف ينافسه، فأصبح هذا الشاب المنحرف هو الذي يقوم بكل الاحتياجات والمتطلبات، وبالتالي أصبح الشاب المنحرف هو القيم الحقيقي على البيت، وهو الشخصية المؤثرة، وهو الشخص المقبول، فكلامه مؤثر، وأمره نافذ، ونهيه مطاع، لا يعصى له أمر ولا إشارة، لأن له كلمة وله تأثير في البيت، لكن الشاب الطيب ليس له وزن؟ لأنه لا ينفعهم بشيء.
وهذا واقع في عدد من البيوت، ولا أقول: إنه ظاهرة موجودة، لا؛ لكنه موجود إلى حد ما في عدد غير قليل من بيوت بعض الشباب الصالحين.
وأحياناً: يكون الشاب الصالح ترك البيت ليس لأخ آخر، بل قد يكون تركه للسائق والخادم، فالسائق يذهب بالبنات إلى المدرسة، ويذهب بهن إلى السوق، وقد يجلس معهن في السيارة وفي السوق ساعات طويلة، وإلى المدرسة، ومن المدرسة، وإلى المطار ومن المطار، وإلى آخره، فيكون الشاب ترك حاجيات البيت ومتطلباته، ليس لأخ آخر قد يكون منحرفاً، أو فاسقاً، بل للخادم والسائق، ونحوهم فهذا من الأخطاء التي يقع فيها بعض الشباب الطيبين.
1- أعذار الشباب والفتيات: والذي يتوجب على الشاب أن يصون أهل بيته عن كثرة الذهاب، والإياب، بأن يقوم هو بقسط من هذا الواجب، خذ مثلاً: لهم حاجة في السوق، تذهب أنت لتأتي بهذه الحاجة، غير معقول أن تقول لأخواتك: لا أريد أن تذهبوا إلى السوق فإذا قالوا لك: لكن اذهب أنت لتأتي بحاجياتنا، يقول: لا والله أنا مشغول.
فدعونا نحلل كلمة مشغول، فقد جاء إلىَّ أحد الشباب يشتكي إلى أمراً كهذا، فقلت له: بارك الله فيك، اعرض عليَّ وقتك، وما هو برنامجك؟ قال: من الساعة الثامنة إلى الثانية عشرة أجلس للقراءة في الكتب، قلت له: جيد؛ متي تصلي الفجر؟ قال: الساعة الرابعة.
قلت: كم بين الساعة الرابعة والساعة الثامنة؟ أربع ساعات، ماذا تصنع بها؟! نائم على فراشك، هذا لا يكون، ليس البيت -بارك الله فيك- فندقاً تأوي إليه؛ لتنام وتأكل وتشرب، ثم تصبح إمبراطوراً يصدر الأوامر هنا وهناك: لا تخرجوا، لا تدخلوا، لا تذهبوا، وتريد أن تطاع، في الوقت الذي لم تقدم أنت فيه البديل الصالح، فإذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، ومن ذلك أن تبذل من وقتك وجهدك ما يحقق لأهل البيت متطلباتهم، فتخصص جزءاً من وقتك للذهاب بالأهل إلى بعض الحاجيات، وأن تقوم بنفسك بتلبية بعض المطالب التي يحتاجون إليها، وبعض الشباب يعتبر هذا مضيعة للوقت.
ونفس الكلام بالنسبة لبعض الأخوات الطيبات -بعض الفتيات المتدينات- تجد أنها إذا أتيتها في شغل البيت -أعمال البيت التي يحتاج إليها- لا تقوم بها، تقول: أنا والله مشغولة، وأريد أن أقرأ قرآن وأسبح وأهلل وأصلي لله عز وجل، وأحيناً تخرج في الدعوة إلى الله تبارك تعالى، وبالتالي تجد الفتاة تسأل كيف أؤثر في البيت؟! وكيف أعمل؟! البيت فيه تلفاز، وفيه فيديو، وفيه خادمة، وفيه سائق، وتأتي بالسلسلة، ويأتي الشاب -أيضاً- بسلسلة من المنكرات الموجودة في البيت، يتساءل كيف أقضي عليها؟! يا إخوة: القضاء على المنكرات وإصلاح أحوال البيوت، يبدأ أولاً: بأن يبني الشاب، وتبني الفتاة مكانته في المنزل، عن طريق الخدمات التي تقدمها شخصياً لأهل المنزل، فلا تكن صفراً على الشمال، فلا تعرف إلا في حالات معينة، بل أثبت وجودك وشخصيتك، من خلال القيام بالأعمال التي يحتاجون إليها، حتى الأعمال الدنيوية لابد أن تشارك فيها بصورة جيدة.
2- الهروب من واقع البيت: وبعض الشباب -بصراحة- وإذا أردنا أن نضع النقاط على الحروف، يعانون حالة هروب من المنزل، كيف حالة هروب؟! يعاني حالة هروب لأن هذا الشاب لما صحا واستقام وهداه الله عز وجل، وجد البيت مليء بكثيرٍ من المنكرات -كما أسلفت- فوجد أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ماذا أفعل؟ حاول ينتزع نفسه من هذا المنزل، أين تذهب بارك الله فيك؟ قال: إلى أفغانستان، وهذا جيد، فالجهاد في أفغانستان من أعظم صور الجهاد التي تحققت للمسلمين في هذا العصر، ويعجبني أن بعض الشباب في سؤال وجهوه لي بالأمس سموها أرض الكرامة، وهذا اسم أطلق على لسان عدد من الدعاة والمصلحين.
وفعلاً، هي أرض الكرامة.
أفغانستان رفعت رءوسنا عالية، وأفغانستان هي رقم واحد في تقديري في الجهاد الإسلامي، الحقيقي الذي حقق الله تعالى به للمسلمين ما لم يتحقق في غيره، وهذا لا جدال فيه، لكن فرق بين أن أذهب هارباً من وضع أعيشه في المنزل، وبين أن أذهب بطوعي واختياري.
أحدهم يقول: عجزت عن أهل البيت، والله أنا أريد أن أخرج من المنزل، وأصدقكم الحديث، وبعض الشباب صارحوني بهذا، حتى إن أحدهم كتب لي رسالة طويلة، ومن ضمن الرسالة يقول لي بالحرف الواحد، بعدما ذكر مشكلة طويلة قال: وأقول لك بصراحة: لقد حاولت الانتحار!! هكذا يقول ولكن بصورة شرعية، كيف؟ حاولت أن أذهب إلى أفغانستان، وأنا لا أوافقه على هذا، فهذه شهادة في سبيل الله إن كتبت له، وقتل مقبلاً غير مدبر، وكانت نيته صالحة، فلا شك أنها -إن شاء الله- شهادة، نرجو له بها الخير والنجاة عند الله تعالى يوم القيامة، ونسأل الله أن يكتب للمسلمين في أفغانستان وغيرها النصر.
لسنا مع مثل هذا الشاب، لكن أنا أحدثكم عن مشاعر بعض هؤلاء الشباب، ولذلك ربما بعضهم، عندما يذهب إلى هناك لا يقوم بالواجب المنتظر منه، لأنه لم يكن يقصد فعلاً أن يحقق للإسلام نصراً، وأن يشارك في الجهاد، وإنما كان قصده أن ينتزع نفسه من بيت لا يطيق البقاء فيه، وبعضهم قد يهرب بصورة أخرى، فينتقل ليدرس في بلد آخر، أو ينتقل ليسكن في بيت آخر، أو ما أشبه ذلك، والمهم أن بعض الشباب يعيشون حالة هروب -مما يدلك على أنه فعلاً مجرد هارب من البيت- وأنك قد تجد بعض الشباب يذهبون إلى أماكن كثيرة، بدون إذن أبويهم، بما في ذلك الذهاب للجهاد، وينسون حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الصحيح: {أحي والداك؟ قال: نعم.
قال: ففيهما فجاهد} والرجل الآخر كما في الحديث الصحيح أيضاً لما جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال له: {ألك أم؟ قال: نعم.
قال: الزم قدمها فثم الجنة} فإذا كنا نريد الجنة، فمن أقرب الطرق إلى الجنة أن تلزم قدم الأم، ولذلك من القصص العجيبة -القصة ربما تعرفونها- رجل كان في عهد عمر رضي الله عنه خرج إلى الجهاد وترك والديه، وما كان لهم غيره، فخرج في الغزو، فكان أبوه يبكي الليل والنهار على ولده، وكان اسم الولد كِلاب، فكان يبكي الليل والنهار، ويقول: ألا من مبلغ عني كلابا كتاب الله لو عقل الكتابا تركت أباك مرعشة يداه وأمك لا تسيغ لها شرابا فكان عمر يسمعه مرة بعد أخرى، وفي أحد المرات هذا الرجل بدأ يتكلم على عمر نفسه ويقول: سأستعدي على الفاروق رباً له دفع الحجيج إلى بساط يعني سوف أشكو عمر إلى الله تعالى، لأنه كان سبباً في ذهاب ولدي مع الجيش، فدعاه عمر وهو يبكي، فقال له: ماذا؟ قال: ولدي خرج في الغزو وتركني كما ترى، فأرسل إليه عمر أن يأتي، ولما جاء هذا الشاب قدمه عمر لوالده، فبدأ الأب يشمه ويقبله ويبكي، فشاركهما عمر في البكاء رضي الله عنه وأرضاه، وقال له: لا تخرج من عند والديك ما داما حيين، ولا تخرج من المدينة ماداما حيين.
إذاً: قضية الجهاد التي هي ذروة سنام الإسلام، الأصل أنها مرتبطة بأن يستأذن الإنسان من والديه، فإن لم يأذنا له فيحرم عليه الخروج، اللهم إلا في حالة واحدة فقط لا غير، وهي ما لو كان العدو على أطراف المدينة، وقيل: والله إذا لم تحرج أنت سوف يقتحم العدو المدينة، ويقتلك ويقتل والديك، فهنا نقول: اخرج ولو بدون إذنهم، أما حين يكون العدو بعيداً، فحتى لو كان الجهاد فرض عين، أرى أنه لا يمكن إلا أن يستأذن الأبوان في ذلك.
وعلى كل حال القضية أن الإنسان أحياناً يعجز عن المجاهدة القريبة، ومن عجز عن مجاهدة الموقع القريب، فمن باب أولى أنه يعجز عن مجاهدة الموقع البعيد، فمن عجز أن يقوم بواجبه في المنزل، فهو أن يقوم بواجبه على مستوى الأمة الإسلامية كلها أعجز وأعجز.
إذاً الواجب الأول باختصار: أن يثبت الشاب لنفسه شخصية، من خلال القيام باحتياجات الأهل، ويحرص على أن يبقى في المنزل مهما كانت العقبات والظروف، ويجاهد كما سيأتي بقدر المستطاع.