Q خطبة الجمعة، بين الدور المناط، والواقع الذي تعيشه؟
صلى الله عليه وسلم خطبة الجمعة هي من أعظم وسائل الدعوة، لا يوجد وسيلة في الدنيا، بأن يأتي الناس لسماع إنسان -بأوامر الله تعالى وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم- إلا خطبة الجمعة، فبمقتضى التعبد؛ الإنسان مسوق ومدعو إلى الإنصات، وكل مسلم يأتي للجمعة، حتى المقصرين في الفروض الخمسة، ولا يصلونها مع الجماعة، أو يفرطون فيها، يأتون يوم الجمعة، وينصتون للخطبة، بمقتضى أمر الشرع، حتى قال صلى الله عليه وسلم: {إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت} حتى إنكار المنكر وأنت تسمع الخطبة لا تنكر، حتى رد السلام وأنت تسمع الخطبة لا ترد، حتى تشميت العاطس وأنت تسمع الخطبة لا تشمت، لماذا؟ لأن المطلوب كمال الإنصات للخطيب.
يبقى السؤال: هذا الخطيب كم يستمع إليه؟ لا أعني خطيباً بعينه، لكن عموم خطباء المسلمين، وعموم المساجد يحضرها ملايين بلا شك، بل مئات الملايين في أنحاء العالم الإسلامي، فماذا يسمعون؟ هذا هو السؤال الكبير! ألا تستحق خطبة الجمعة التي يحشد لها هذا الحشد الهائل، ألا تستحق جهوداً خاصة؟! ألا تستحق كتباً معينة؟! ألا تستحق دورات تدريبية للخطباء؟! ألا تستحق تأهيلاً للخطباء؟! ألا تستحق عناية الدعاة إلى الله عز وجل والعلماء والخطباء بالدرجة الأولى، بحيث يكون هنالك اهتمام؟! فليس كثيراً على الخطيب؛ أن يخصص يوم الجمعة والخميس كاملاً؛ لإعداد الخطبة ومراجعتها، وضبطها وتصحيحها، بحيث تكون ملائمة للواقع، وتمس حاجات الناس وواقعهم وظروفهم، وتناسب مستواهم العقلي والذهني واللغوي، وتحرك مشاعرهم، وتكون منوعة، ويلتزم فيها بتربية الناس على الكتاب والسنة والدليل الشرعي، إلى غير ذلك من الأشياء التي يجب على الخطباء أن يحرصوا على إيصالها إلى الناس.
أما واقع الخطبة فالله المستعان! فهناك خطب لا شك على المستوى المطلوب، وخطباء مشاهير ربما بلغت شهرتهم العالم الإسلامي، وهذا أمر مما يحمد بلا شك.
لكن بالمقابل هناك خطباء كثير، قد تجد أن الخطيب في واد، والناس في واد آخر، حتى إننا دخلنا في عدد من المساجد، في العديد من البلدان الإسلامية، فوجدنا أن الناس حلقاً حلقاً، كل عشرة يتحدثون فيما بينهم، وكأنهم في مطعم أو ناد، والخطيب يصيح بأعلى صوته، ولا نكاد نرى إنساناً يستمع لهذا الخطيب، ما السر في ذلك؟ هناك عدة أسباب، منها: أن الخطيب قد لا يكون لامس شغاف قلوب الناس، أو تلمس حاجاتهم، أو خاطبهم بصورة مباشرة، لأن الكلام المؤثر يستمع إليه الجميع، حتى من لا يرغب في الاستماع.
وأمر آخر: قصر الخطبة على معان محددة، بعيدة عما يعتمل في نفوس الآتين إلى المسجد.
وأضرب على ذلك مثالاً: حين كانت الأزمة في الكويت وغزو الكويت، وما ترتب عليها من آثار بعيدة؛ أصبح كل مسلم مشحون بهذه القضية، ثم يأتي إلى المسجد فماذا يسمع؟ قد يجد أن الخطيب يتكلم عن أحكام تغسيل الموتى مثلاً، وهذا الموضوع جيد بحد ذاته، ولا بد للناس أن يعرفوا كيفية تغسيل الموتى، وأحكام الدفن، وما شابهه، لكن هل هذا اليوم هو يومه المناسب؟ ليس هذا اليوم يومه المناسب، هذا في وادٍ وذاك في واد آخر.
فكان ينبغي أن تعالج الخطبة واقع الناس، أو تستفيد من واقع معين لتوجيه الناس نحو الأشياء المطلوبة لهم.