وضع الجهاد الأفغاني

Q ننتقل إلى سؤال آخر حول واقع الأمة الإسلامية، وهو سؤال يتعلق بالجهاد، فالجهاد في بعض الدول الإسلامية قائم وبحمد الله، ولو أخذنا مثلاً على ذلك أفغانستان؟ فما تقويمكم لوضع الجهاد الأفغاني الآن؟

صلى الله عليه وسلم الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر في أحاديث كثيرة؛ أن الجهاد ماض إلى قيام الساعة، ومصداق ذلك أن هذه الراية مرفوعة، كلما سقطت في بلد تلقفها آخرون، ولعل المجاهدين في أفغانستان ممن شارك في حمل هذه الراية، وإحياء هذه الشعيرة على مدى أكثر من عشر سنوات، وهذه منِّة كبرى من الله تعالى منَّ بها على أهل تلك البلاد.

والجهاد الأفغاني أصبح مدرسة تخرج منها كثيرون، وتعلم منها المسلمون في أكثر من بلد كيفية صناعة العزة والكرامة، وكيفية رفض مؤامرات الأعداء، وكيفية التحرر من كيدهم ومكرهم، حتى استطاع المسلمون أن يؤثروا في واقع أكبر دولة في العالم، واقع روسيا الشيوعية.

ولست أزعم أن سقوط روسيا هو بسبب الجهاد الأفغاني، فلا شك أن هذا زعم مفرط للخيال، ولكنني أعتقد أن للجهاد الأفغاني أثراً لا ينكر فيما حصل للشيوعية، فهو أحد الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها الشيوعيون.

ومجموع هذه الأخطاء كان سبباً في سقوط الشيوعية في بلاد العالم، وتخلخل وضع الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية كما هو معروف، وتعرضها للانهيار الاقتصادي والسياسي الذي تعاني منه الآن.

فالجهاد الأفغاني مدرسة استفاد منها المسلمون في أكثر من بلد، وفي كيفية إحياء شعيرة الجهاد، في كيفية مقاومة عدوهم، ولهذا فلا غرابة أن نسمع بأخبار الجهاد في إرتيريا وفي الفلبين وفي أكثر من بلد إسلامي.

ولكن من الأشياء التي أتساءل عنها بدهشة، أن هذا الجهاد الذي عمره -كما ذكرت- أكثر من عشر سنوات، عدد من قتلوا -ونرجو من الله تعالى أن يكونوا شهداء في سبيله- قد يقارب المليونين، والأموال الذي بذلت فيه طائلة هائلة لا يقدرها إلا الله، العرق، الدموع، الدماء، السهر، تضحيات جسام، ألا تستحق هذه الجهود الجبارة، وهذه التضحيات الجسيمة، ألا تستحق من المسلمين نوعاً من المراجعة، ونوعاً من محاولة الدراسة لمعرفة الأرباح والخسائر، ومعرفة الخطأ والصواب، ومعرفة أسباب تأخر النصر، ومعرفة أهم العقبات والمعوقات، ومعرفة وسائل تحقيق النصر، ومحاولة تصحيح المسار، ومحاولة الاستفادة من الجهاد في أفغانستان؛ للجهاد في أي بلد إسلامي آخر، ومحاولة الاستفادة حتى لواقع الأمة الإسلامية؟ أعتقد أن هذه الأسئلة وغيرها كثير لم يطرح إلى الآن، وهو في الواقع مدهش، فهو يدل على أن المسلمين يملكون التضحيات، لكنهم لا يملكون التفكير الجاد في كثير من الأحيان.

فأقل ما يجب للجهاد الأفغاني على المسلمين والعلماء والمفكرين؛ أن يكون هناك مؤتمر، بل مؤتمرات أو دراسات -على الأقل- على صفحات المجلات والصحف، دراسات منصفة هادفة، يعنيها همُّ الإسلام، وليس يعنيها شيء آخر، ولا تنطلق من منطلق التشفي أو الوقيعة، أو أي منطلق غير شرعي، إنما تنطلق من منطلق النصيحة لله ورسوله، ثم النصيحة لهؤلاء المجاهدين، ثم النصيحة للمسلمين في كل مكان، تعمل على مراجعة المسيرة، ومعرفة أين أخطأنا وأين أصبنا، وما حجم أرباحنا، وما حجم خسائرنا، وكيف نستفيد من هذا الأمر للمستقبل!! أما أن نتعامل مع القضية بعاطفية محضة؛ فهذا لن ينقلنا من ورطة إلا إلى ورطة أخرى، ولن ينقلنا من مشكلة إلا إلى مشكلة أعقد منها.

وأسأل الله تعالى أن يكلل جهود المجاهدين الأفغان بالنجاح، ويكلل جهود المجاهدين في كل مكان.

وأثني على الانتصار والنجاح الذي حصل في رمضان، وهو سقوط مدينة خوست أحد أكبر المدن الرئيسية، في أيدي الإخوة المجاهدين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015