Q أزمة الخليج المعاصرة، صورة من الصور الدامية في واقع هذه الأمة، ولا شك أن لهذه الأزمة آثارها التي ظهر بعضها، والتي ربما يظهر بعضها في المستقبل.
فما تصوركم لهذه الآثار، وما توقعاتكم للآثار المستقبلية من خلال استقراء أحداث هذه الأزمة؟
صلى الله عليه وسلم في الواقع ينبغي أن نسأل أولاً: هل هي أزمة مبتوتة الأصل عن واقع الأمة؟ بمعنى أنها مجرد نزوة من طاغية، أم أن الأمر مع ذلك وأكبر من ذلك.
لا شك أن القضية نزوة طاغية، هذا موجود، لكن لا أعتقد أن هذا الأمر بهذا التبسيط، ولعل هذا من عيوبنا في التفكير، فأحياناً قد نضخم القضايا أكبر من حجمها، حتى كأنها تستعصي على الحل، ثم نُهوِّنها من جهة أخرى حتى كأنها لا تحتاج إلى حل.
فأعتقد أن القضية ليست قضية فردية، بل القضية تنبعث من مشكلة الأمة بأكملها، فهي أزمة ضمن أزمة أكبر منها، هي مظهر في الواقع أو عرض لمرض تعيشه الأمة، وهو غياب الإنسان، -كما ذكرنا قبل قليل- هذا نموذج.
أزمة غياب الإنسان الفاعل المؤثر في الأمة، وبالتالي يمكن أن ينتهي دور حاكم العراق، ويأتي دور عشرات أمثاله، لماذا؟ لأن غياب الإنسان الذي يقول له: لا، ويمنعه من الطغيان، ويمنعه من الاستبداد والاعتداء على حقوق غيره، ويمنعه من الظلم، غياب هذا الإنسان، هي الأرضية الخصبة التي يمكن أن ينبت فيها مثل هذا الحدث مرة أخرى أو يتكرر.
إذاً هي جزء أو إفراز واقع الأمة، ولذلك فإن الآثار في اعتقادي باقية، ونسأل الله تعالى أن يقي الأمة شر أعدائها، وأن يكفيها كل من يريد بها سوءاً أو مكروهاً.
وأما سبل الاستفادة من تلك الآثار والخروج منها، فلا شك أنه ما أنزل الله من داءٍ إلا وله دواء، وأن سبل الإصلاح كثيرة، لكنها تحتاج إلى العزيمة الصادقة في إزالة الأسباب التي قد تُوجد مثل ذلك، فإذا أقبلت الأمة على الإنسان -ثروتها الهائلة المهدورة- تنمي فيه رجولته وكرامته وإنسانيته، وتحفظ له شرفه وقيمته وقدره، ولا تهدر ذلك على عتبة النفاق والتردد والمجاملة وإذا اعتبرت الأمة بأفرادها وبالبشر الذين هم جزء منها؛ فمعنى ذلك أن الأمة سلكت الطريق الصحيح للإصلاح، وهذا كله لن يكون ولن يتم إلا من خلال مراجعة المنهج الإلهي، والرجوع إليه، والتزام الناس بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في دقيق أمورهم وجليلها.