منهج أهل السنة والجماعة في التغيير

Q إزاء هذا الواقع، ما منهج أهل السنة والجماعة في تغيير واقع الأمة إلى الأصلح؟ وما وسائل تحقيق هذا المنهج؟

صلى الله عليه وسلم هذا السؤال مهم جداً، لأنه مجال أفكار وآراء كثيرة متباينة، وأعتقد -أيضاً- أن مثل هذا الموضوع ليس مجرد سؤال، بل هو موضوع كبير، وهو مما يحتاج إلى أن يتنادى إليه العلماء والدعاة والمصلحون في حلقات نقاش طويلة، ولو أمكن في بعض المؤتمرات التي تعقد في أكثر من مكان، أن يكون هذا من موضوعات البحث، بحيث تطرح فيه أوراق مختلفة، ويكون هناك نقاش للوصول إلى الأفضل.

لكنني أود أن أشير إلى عدد من الكُتاب عُنوا بهذا الموضوع، ولا يمكن لمن يتكلم في هذا الموضوع؛ أن يتجاهل ما كتبه المفكر الجزائري المسلم: مالك بن نبي، فقد كتب عدداً من الدراسات، مهما يكن عليها من مآخذ وملاحظات، إلا أن فيها نفساً جيداً في قضية النظرة السليمة للتغيير -تغيير واقع الأمة- لأننا يجب أن ننظر للأمة على أنها كلُّ، وليست أجزاء.

إذاً: التغيير يجب أن يكون تغييراً حقيقياً للأمة، وليس تغييراً شكلياً، والتغيير الحقيقي للأمة لا بد أن ينطلق من الإنسان، فإذا أفلحنا في تغيير الإنسان، معنى ذلك أننا أفلحنا في تغيير الأمة، وبدأت البداية صحيحة.

ويكون التغيير بتغيير الإنسان عقدياً، وهذا التغيير العقدي بإصلاح عقيدته في الله وفي الملائكة، والكتب، والرسل، وفي البعث وفي كل قضايا الإيمان، وهذا التغيير يترتب عليه تغيير في سلوك الإنسان، ويترتب عليه تغيير في واقع الأمة بأكملها؛ لأننا نملك قناعة بأن هذه الأمة أمة عقدية، ومتى تخلت عن هذه الميزة فليس لها قيمة، فهي أمة عقدية.

فلا بد أن ينطلق التغيير من الإنسان، الإنسان يجب أن يكون منطلقاً لهذا التغيير.

يتساءل بعضهم عن عقبات وأوضاع كثيرة موجودة في واقع الأمة، وكيفية تغييرها.

فنقول: هذه العقبات مرتبطة بأشخاص، وأفراد الأمة، والقرآن الكريم واضح كل الوضوح في الترابط الكامل بين جميع طبقات هذه الأمة، كالترابط بين الآباء والأبناء، وبين العالم والمتعلم، وبين الرجل والمرأة، وبين الحاكم والمحكوم فالترابط بين كل فئات المجتمع، وهذه قضية ثابتة في الشرع.

وخذ على سبيل المثال، قول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] نولي أي: نجعلهم أولياء، والولاية في أصل اللغة العربية معناها: أن شيئاً يلي شيئاً، أي: أنه قريب منه، مقترباً منه، وموالياً له.

إذاً هذا المجتمع الذي يوالي بعضه بعضاً، فكبيره يوالي صغيره، وحاكمه يوالي محكومه، وهكذا الرجل والمرأة، والعالم والمتعلم، إذاً: هذا المجتمع بينهم قاسم مشترك عام، وهو روح تسري في هذه الأمة، فمتى أمكن تغيير الفرد وبدأ تغيير الفرد بداية صحيحة، معنى ذلك أن هذه الأمة ستتغير لا محالة، وأن مقتضى عدل الله عز وجل أن الله تعالى يولي بعض الظالمين بعضاً، وكذلك يولي بعض الصالحين بعضاً، فيوم كان الناس في مثل حال عثمان وعلي وعمر والزبير وطلحة، كان على رأسهم مثل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، ولما تردت أوضاع الناس؛ تردت أوضاعهم على كافة المستويات، على مستوى العالم، والمتعلم، وعلى مستوى الحاكم، والمحكوم، والرجل والمرأة.

ومن الملاحظ أن الأمة من ضمن ما تعيش من آفات وأمراض وعلل؛ أنها دائماً تحاول أن تلقي بالمسئولية على الآخرين، ومن ضمن ذلك: أن الناس يلقون بالمسئولية على أي جهة، يمكن أن تتحمل الوزر عنهم في زعمهم مثلاً، فتجد أن العامة يلومون العلماء، وقد تجد من العلماء من يلومون العامة، وقد تجد من الرعايا من يلومون حكامهم، وقد تجد الحكام يلومون رعاياهم، أي أن هناك روح التلاوم الكبيرة، ولا شك أن نسبة الخطأ تتفاوت، فليست المسئولية واحدة.

لكن من حيث مبدأ التغيير والإصلاح، إذا تصور شخص أن القضية هي إصلاح العالم فقط، أو إصلاح الحاكم فقط، أو إصلاح المرأة فقط، فإنه يكون مخطئاً، فلا بد من إصلاح المجتمع بأكمله، وبالتالي فإن المجتمع عبارة عن أفراد فلا بد من إصلاح الإنسان، والتركيز على الإنسان في بنائه وفي عقيدته، وفي تصحيح نظرته؛ لأن العقيدة منطلق لكل التصرفات، فتصحيح العقيدة يتبعه تصحيح كل تصرفات الإنسان.

والكلام في هذه القضية لا شك يطول، بل إنني أعلم أن هنالك رسائل ماجستير ودكتوراه في مثل هذا الموضوع، لكن هذه على الأقل نظرة عابرة تتناسب مع ضيق الوقت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015