Q إزاء هذه الأمور والقضايا التي تحيط بالأمة، والتي تجري في واقع العالم الإسلامي، نحن نعلم أنه -شرعاً- لا بد أن يكون للنصيحة دورها في هذا المجتمع، ولكن من خلال استقرائنا جميعاً، أن مفهوم النصيحة في الإسلام قد اختلط في هذا الزمن عند كثير من المسلمين مع مفهوم المعارضة المفهوم عند الغرب، فأخذوا يخلطون بين المفهومين، وينسون أن النصيحة أمر مشروع بالنسبة للمسلمين، فنريد من الشيخ سلمان -جزاه الله خيراً- أن يجلي هذه النقطة، حتى يعرفها الإخوة المستمعون حق المعرفة؟
صلى الله عليه وسلم لعل هذا نموذج -ذكرناه قبل قليل- من اختلاط المفاهيم وتأثير العلمنة في مفاهيم المسلمين العامة؛ لأن النصيحة أصل في الدين، حتى الذين يكتبون في العقائد، يذكرون وجوب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
والله عز وجل ذكر في كتابه من صفات المؤمنين: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة:91] والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في حديث تميم بن أوس في مسلم: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة} فهي أصل، ومع ذلك فهي أصل عملي درج عليها المسلمون منذ أبي بكر رضي الله عنه إلى يوم الناس هذا: أن كل فرد مسلم مطالب بالنصيحة: النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فبالدرجة الأولى تكون النصيحة لمن ولي أمراً من أمور المسلمين، إذ أن النصيحة حينئذٍ تكون ثمرتها أكبر وأعظم، والمسئولية على الجميع في التوجيه والتصحيح، فهذا أصل شرعي ثابت مطرد مستقر، لم يتخل المسلمون عنه يوماً من الأيام، وكانوا يسلكون كافة الوسائل لهذا الأمر، والحديث في تفصيل الوسائل يطول.
وبالمقابل، المسلمون اليوم بُلوا بحملات تغريبية وجهود للعلمنة، تحاول أن تنقل واقع المسلمين إلى الغرب.
فمن جهود العلمانية: محاولة إثارة قضية المعارضة لتكون بديلاً عن النصيحة، فهم: أولاً: يعتبرون المعارضة لذات المعارضة، فهناك جهات -أو ما يسمونها أحزاباً- موقفها موقف المعارضة، وقد تكون القضية تمثيلاً في بعض الأحيان، وقد تكون حقيقة، لكن هذه الأحزاب تحرص على كشف عيوب الآخرين، وعلى التماس العيوب لهم، بل ربما تجعل من أمور فعلوها عيوباً ولو لم تكن كذلك إلى غير ذلك، مما يعرف في تاريخ الغرب المعاصر، وهكذا الحال بالنسبة لعدد من الدول الإسلامية.
أما في نظام الإسلام، فليس هناك حاجة إلى شيء اسمه المعارضة، لأن عندنا النصيحة هي البديل الشرعي، فالناصح ليس معارضاً لك، ولا يعني أنه ضدك، فهو ينصح لأنه يرى أن هذا خطأ ينبغي أن يصحح، وهذا صواب متروك يجب أن يفعل.
ولا يمنع أنه بعد حين، يأتي ليقول: إن هذا الفعل -فعل آخر- إنه صواب يوافق مادل عليه الكتاب والسنة، أو إن هذا الأمر الذي تُرك إنه -فعلاً- خطأ تُخلي عنه.
فليست القضية قضية مبدأ، أن الإنسان يجب أن يكون مبدؤه مبدأ معارضة، بل القضية قضية النصيحة، التي تعني تصحيح الصواب وكشف الخطأ.