حكم التعددية في مناهج العمل الإسلامي

Q شيخ سلمان، بالنسبة لظاهرة التعددية في مناهج العمل الإسلامي وجماعاته، هل هي بناء على هذا الذي قيل، ظاهرة معقولة من الناحية الشرعية والواقعية؟

صلى الله عليه وسلم التعددية في الواقع لها أكثر من صورة؛ والعلماء السابقون تكلموا عن موضوع الاختلاف، فهناك اختلاف يمكن أن يفسر بأنه اختلاف تنوع، وهذا مقبول شرعاً وواقعاً.

والمقصود باختلاف التنوع: أن يتخصص فئات من الناس لألوان من الخير لا يتخصص فيها غيرهم، فهناك فئة -مثلاً- متخصصة في بناء المساجد، وهناك فئة أخرى متخصصة في بناء المدارس والقيام عليها، وهناك فئة ثالثة متخصصة في تأليف الكتب ونشرها، وهناك فئة رابعة متخصصة في الرد على أهل البدع والمنحرفين وأهل الزيغ والضلال مثلاً، وهناك فئة خامسة متخصصة في الجهاد في سبيل الله، ومقاتلة أعداء الله على الثغور، وسادساً وسابعاً إلى آخره، فهذا تنوع محمود وطبعي ولا غبار عليه، وينبغي أن يكون بعضهم يكمل بعضاً، ولا يلوم بعضهم بعضاً، أو يعتبر أنه يشتغل في غير طائل.

فليس صحيحاً أن المشتغل بالجهاد يعتب على المتفرغين لدراسة الفقه، ويقول: مساكين هؤلاء يشتغلون بأمور عفى عليها الزمن في وقت ينازل الإسلام فيه الكفر.

هذا ليس منهجاً صحيحاً لأن الأمة -حتى في حالة القتال- تحتاج إلى الفقيه.

كما أنه ليس صحيحاً أن المتفقه في المسجد، يعتب على الذين يشتغلون بمنازلة العدو ويعيب عليهم أنهم لم يتفرغوا لدراسة العلم الشرعي وتعلمه، اللهم إلا أن يكونوا قصروا فعلاً في تعلم العقيدة التي يحتاجون إليها، فيلامون على ذلك مثلاً، أو قصروا في تعلم الأحكام الشرعية التفصيلية، التي يحتاجونها هم في قتالهم لأعداء الله تعالى وما يتعلق بذلك، فيلامون على هذا، ويدعون إلى التصحيح.

فهذا لون من الاختلاف لا حرج فيه، كما أنه مما يدخل فيه: أنه قد تختلف اجتهادات الناس في معاملة واقع معين، وكلها اجتهادات مبنية على أدلة شرعية وقواعد عامة، وليس في القضية نص يجب الرجوع إليه، فهذا لا ينبغي أن يلوم بعضهم بعضاً.

لكن هناك نوع آخر من الاختلاف مذموم، وهو اختلاف التضاد، واختلاف التضاد مذموم في حقيقته وفي صورته: أما في حقيقته، فاختلاف التضاد منبثق من اختلاف المناهج، بمعنى أن هؤلاء لم ينطلقوا من منطلق عقدي صحيح، ولم يحتكموا إلى الكتاب والسنة وما كان عليه سلف هذه الأمة؛ فلذلك اختلفوا في الكتاب، واختلفوا على الكتاب، واختلفوا في فهم النصوص الشرعية التي دل الدليل الصريح على المعاني الصحيحة لها، ولذلك تفرقت بهم السبل.

فهذا نوع من الاختلاف، ثم ترتب على هذا اختلافهم في طريقة معالجة الواقع، وفي أساليبهم وفي مناهجهم، بناءً على اختلافهم في الفهم الصحيح للإسلام، وما يجب أن يكونوا عليه، فلا شك أن هذا الاختلاف مذموم، ويترتب عليه أن يكون بعض هؤلاء ينقض جهود بعضهم الآخر، وربما يشتغل بعضهم بحرب بعضهم الآخر أكثر مما يشتغل بحرب الأعداء الأصليين للإسلام، فهذا اختلاف تضاد في أصله ومنطلقه، واختلاف تضاد في نتيجته وثمرته، ولا شك أنه اختلاف مذموم شرعاً، وثمرته الواقعة ثمرة مرة كما يشهدها الجميع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015