الجماعات الإسلامية وتصحيح الأخطاء

Q الجماعات الإسلامية، كثر الحديث عنها وعن فرقتها، وعما سُمي بفشلها في تحقيق أهدافها، وذلك ضمن الحملات التي تشن عليها في هذا العصر، فهل للشيخ سلمان العودة، أن يدلي برأيه في هذا الموضوع؟

صلى الله عليه وسلم ما يسمى بالجماعات الإسلامية، هي إفراز لواقع معين عاشته الأمة الإسلامية، ولا زالت تعيشه، ولا يمكن عزلها عن المجتمعات التي انبثقت منها.

ومسألة فشلها في تحقيق أهدافها، من الصعب أن نقول: إنها فشلت بهذا الأسلوب، كما أن من الصعب أن نقول: إنها نجحت في تحقيق أهدافها، فأعتقد أن الفشل والنجاح أمر نسبي يتفاوت بين بلد وآخر، وبين فئة وأخرى من الناس.

لكن لا شك أن الأمر الذي يجب أن نقوله هو: أن الدعاة إلى الله عز وجل سواء ما يسمى بالجماعات الإسلامية، أو الدعاة إلى الله تعالى في كل بلد وفي كل مكان؛ أنهم بحاجة دائماً إلى مراجعة وتصحيح مسيرتهم، وسماع النقد الهادف البناء، وتصحيح الأخطاء الواقعة.

وأنا حقيقة أتعجب من جهود بذلت، وسنوات طويلة قد تعد بالعشرات من جهود الدعاة وعرقهم، وتضحيات جسام، ومع ذلك لا تقابل هذه الجهود الكبيرة الجبارة بمؤتمرات أو حلقات نقاش جادة تعمل على معرفة الصواب والخطأ، وأين مكمن الخلل، ومراجعة الخطوات، وتصحيح المسار، فنحن أحوج ما نكون إلى مثل هذا، ومن حق تلك التضحيات التي بذلتها الأمة، وضحت من أجلها أن يراجع الناس مسيرتهم بين آونة وأخرى.

ونعجب من الغرب أعداء الله وأعداء الإسلام، كيف يستفيدون من أخطائهم بصورة غريبة، فيراجعون مسيرتهم بشكل مستمر، بل إننا نجد أن التاجر يراجع حساباته بشكل دوري، ويصحح أخطاءه.

فالدعوة الإسلامية أحوج ما تكون إلى مثل هذه المراجعات، وليس عيباً أن يقول الدعاة: إنهم أخطئوا، أو إنهم تصرفوا تصرفات غير محمودة، أو إنهم اجتهدوا فلم يحالفهم الصواب في مسألة أو مسألتين، أو عشرين، بل العيب كل العيب هو أن نُصِّر على أخطائنا، وأن نقول: إننا ما زلنا نسلك الطريق المستقيم في كل أمورنا، ونحاول أن نجعل الأمور كلها على ما يرام، فإذا اعترفنا بالخطأ اعترفنا به اعترافاً إجمالياً، فنقول: نعم نحن بشر نخطئ ونصيب، ولسنا معصومين، ثم نقف عند هذا الحد، ولا نحدد أخطاءنا.

فيجب على الجميع -سواء ما تعرض له السؤال من الجماعات الإسلامية، أو الدعاة أو طلبة العلم، أو أي فئة من فئات الأمة، بل الأمة كلها- أن يكون عندها اعتراف إجمالي وتفصيلي بالأخطاء، والاعتراف الإجمالي الكل يقر به، ونقول: نحن بشر نخطئ ونصيب، ولسنا معصومين، لكن ماذا بعد هذا؟ هل تحولت هذه القناعة المجملة إلى نظرات تفصيلية في أنهم أخطئوا في كذا وأخطئوا في كذا، ويجب أن يصحح؟ أما اعتبار أن هذا أمر يشمت به أعداءهم، أو أن هذا يفرق الناس من حولهم، فهذا ليس بصحيح، فإن الذي يفرق الناس هو أن يتستر بعضهم على الأخطاء، حتى تتفجر الأخطاء كلها دفعة واحدة، ثم تجعل الجميع شتاتاً، ونجد أن الأمة علقت آمالاً كثيرة على أحياء، ثم تبين لها أن الأمور ليست كما كانت تعتقد وتتصور.

أما الأعداء فإنهم يجدون في مثل هذه الأمور فرصة لشن حملات غير منصفة ولا عادلة، ونجد أنهم يخرجون من هذا إلى شن حملة على الإسلام نفسه فإننا نجد أن كثيراً ممن يتناولون قضية الإسلام والدعوة الإسلامية لا يقف وجودهم عند فئة معينة، أو على فرد معين، أو على موقف معين أخطئوا فيه، بل يتعدى الأمر إلى الهجوم على كل من يرفع راية الإسلام، وكل من يتسمى بالإسلام، وإن كانوا لا يجرءون على النيل من الإسلام نفسه، لكنهم إذا نالوا من دعاته ومن علمائه، ومن الفئات التي تدعو إليه، ولو كان فيها ما فيها من ملاحظات أو أخطاء، ما بقي للإسلام حينئذٍ شيء، فخلت الساحة لأعداء الإسلام، وإن كانوا يلبسون لكل حالة لبوسها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015