Q اشتراك الدعاة في بعض البلدان العربية والإسلامية في المجالس النيابية، وتعاونهم مع بعض الأحزاب التي لا تسير وفق منهج إسلامي، وذلك لتشكيل جبهة معارضة ضد بعض الحكومات العلمانية، فهل هذا من خلال تصوركم إجراءٌ من الناحية الشرعية يمكن أن يكون مقبولاً؟
صلى الله عليه وسلم مثل هذا السؤال من النوازل الجديدة التي تحتاج إلى اجتهادات جماعية، لأن الاجتهادات الفردية مدعاة إلى تشعب الآراء واختلافها وكثرتها، وكثرة القيل والقال فيها، وتجد الناس فيها أطرافاً متباعدة.
فمنهم من يعتبر هذا لوناً من الشرك، يوقع صاحبه في الخروج من الدين، ومنهم من يعتبر هذا أمراً مباحاً سائغاً، بل مشروعاً وربما أدى إلى القول بوجوبه.
ولذلك لا أرى أن أقدم رأياً محدداً في هذه القضية، بل ربما لا أملك رأياً محدداً في هذه المسألة، لكنني أستطيع أن أضع بعض القواعد العامة: فمن القواعد العامة: أن الأصل في المسلم ألا يقبل المشاركة في أي حكم بغير ما أنزل، لأن الحكم بغير ما أنزل الله في مجال التشريع والتقنين لا شك أنه كفر ينقل عن الملة، كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:44-45] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] .
وتكلم أهل العلم عن مثل هذا الأمر، حتى أشار الإمام الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية إلى أن هذا الأمر مما أجمع المسلمون عليه أن هذا كفر ينقل عن الملة.
أي: فرض القوانين الوضعية الجائرة الكافرة، التي تحكم الناس في أنفسهم وأموالهم ودمائهم وأعراضهم، وتعميمها على الناس وحمايتها.
والمسلم لا شك أنه لا يمكن أن يقبل بهذا الأمر، وأن يكون شريكاً فيه، والله تعالى يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] وقال تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] وفي قراءة {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] تشرك: بالتاء.
الجانب الثاني: إن من أهم ما يُعنى به الداعية هو وضوح الدعوة وجلاؤها وعدم التباسها في حال من الأحوال، فإن الناس في أكثر من بلد، صاروا يتصورون أن الدعوة الإسلامية عبارة عن الحرص على نيل مطامع ومكاسب دنيوية، وربما ظنوا أن الدعاة يتنافسون ويتسابقون مع غيرهم إلى الكراسي وإلى الوصول إلى السلطة.
ونحن نعرف أن هناك بعض المغرضين، يصطادون في الماء العكر -كما يقال- ويحاولون أن يلبسوا الدعاة هذا الثوب الذي لم يفصَّل لهم، لكن ربما أن واقع بعض الدعاة الذين تجاوزوا أشياء كثيرة، وتأولوا في اجتهادات ومواقف عديدة، ربما أنه جعل الناس يملكون نوعاً من القابلية؛ لتصديق مثل هذه الإشاعات ومثل هذه الأمور المكذوبة.
فلذلك أقول: إن من المهم أن تكون الدعوة واضحة وجلية غير ملتبسة، وأن الدعاة إلى الله عز وجل لا يريدون من الناس أجراً، ولا يسألونهم عليه دنياً ولا مالاً، إنما همُّ الدعاة هو أن يقوم الإسلام، وأن يقوم حكم الله تعالى في الأرض.
أما أشخاصهم فلا تعنيهم بقليل ولا كثير، ولا يبالون أن تُقرض أجسامهم بالمقاريض، وأن هذا الخلقَ قد أطاعوا الله عز وجل.
فينبغي أن يفهم الناس هذا عن الدعاة فهماً قولياً وفهماً عملياً أيضاً، ليُقطع الطريق على أي مغرض يحاول أن يلبس الدعاة مثل هذا الثوب.
الجانب الثالث: قد يكون هناك مصالح في حال من الأحوال، وفي وضع من الأوضاع، تستدعي اجتهاداً قد يكون استثناءً من قاعدة كلية عامة، فهذه المصالح تعتبر -أحياناً- حاجات، وتعتبر -أحياناً- ضرورات فتقدر بقدرها، ويجتهد فيها بكل نازلة أو واقعة معينة من يملكون الاجتهاد: ممن يملكون العلم الشرعي أولاً، ويملكون المعرفة بالحالة التي يتكلمون عنها ثانياً، وإن أصابوا حينئذٍ فلهم أجران، وإن أخطئوا وكانوا أهلاً للاجتهاد فلهم أجر واحد.