المنهج السليم للنقد

Q هنالك سؤال حول النقد، كما يقول المثل: (الناقد بصير) والناس يحبون أن ينتقدوا على اختلاف مستوياتهم، فما المنهج السليم للنقد في أوساط طلاب العلم وأهل الدعوة؟

صلى الله عليه وسلم هذا سؤال في غاية الأهمية، لأن قضية النقد هي أولاً: قضية حيوية وضرورية، وأي أمة ليس فيها نقد، معنى ذلك أنها تستمرئ أخطاءها وتستمر عليها، ولا ترضى بمن يصححها، فهي أمة آيلة إلى الفناء شاءت أم أبت، رضيت أم سخطت.

فلا بد من النقد على كافة المستويات، ومن ذلك ما يتعلق بالدعوة والدعاة، والعلم الشرعي وطلاب العلم، فهم يحتاجون إلى إثارة النقد فيما بينهم.

لكن الناس في موضوع النقد ما بين مفرِط ومفرِّط.

فمن الناس من همه النقد، فتجده لا يتكلم إلا منتقداً، وأعرف بعض الأحبة من هذا القبيل، جبلوا على هذا الأمر، فلا يلتذ الواحد منهم إلا بالنقد، وكأنه يعتبر نفسه قيماً أو وصياً يصحح للناس، وهذا صعب تَحمُّله مهما كان الأمر.

كما أن من الناس من يفرِّط في هذا الأمر، فيتقبل كل شيء، ولا يحب أن يُنتقد ولا أن يَنتقد، فهو يستثقل أن يُلاحَظ أو يُوجَّه إليه أيُّ شيء، فذلك هو لا يَنتقد الآخرين، وكأنه يريد أن يسكت ليسكت الناس عنه، وكما يقال (افتضحوا فاصطلحوا) .

والواقع أنه يجب أن يكون عندنا مسلك وسط في هذا الجانب، فالنقد لا بد من الاعتراف به على مستوى الجميع، والناقد ينبغي أن يلتزم بالمنهج العلمي الشرعي الصحيح.

فالتهم لا داعي لها، والتهجم لا داعي له، والنبرات النابية في غير محلها لا داعي لها، بل يكون النقد منصباً على فكرة، فلا تتحدث عن فلان، وأن فيه كذا، تحدث عن فكرة معينة، أو مذهب معين، أو خطأٍ معين، وصحح هذا الأمر بالأدلة، ودع القراء أو المستمعين يشاركونك أو يخالفونك في هذا الجانب، هذا من جهة.

الجهة الثانية: ينبغي أن لا يكون النقد ومعرفة الأخطاء، إهداراً لحسنات الآخرين، وتنكراً لجميلهم، فما من إنسان إلا وفيه شيء من الخير، والمسلم عنده شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وما دام محققاً لها فهو على خير بإذن الله تعالى، وينبغي ألا ينكر فضله.

فإذا انتقدت إنساناً فحسنٌ أن تبدأ بذكر بعض فضائله وبعض حسناته؛ لأن هذا أدعى لأن يقبل هو، ويقبل من يكون على شاكلته، لأنك عندما تكتب النقد تكتبه غالباً له وللمعجبين أو المتأثرين به، فإذا رأوك متحاملاً، لم يقبلوا منك شيئاً حتى الحق الذي جئت به، لكن إذا رأوك منصفاً معتدلاً كان هذا مسلكاً سلساً حسناً يدعو إلى تقبل الحق الذي جئت به.

وعندنا كتاب الله وهو حسبنا قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219] فلم يمنع الإثم الكبير الذي فيها وكونهما محرمين، أن الله تعالى يبين أن فيهما منافع.

كما أن عندنا كتاب الله وهو حسبنا، فالهدهد لما قال سليمان: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} [النمل:21] وفي آخر الآيات قال الله تعالى لما ذكر قول الهدهد: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:23] إلى أن قال: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل:27] فالمسألة مسألة موضوعية، أصدقت أم كنت من الكاذبين بالأدلة المادية الصحيحة، أما من ادعى دعوى لا دليل عليها، فيضرب بدعواه عرض الحائط.

كما أن الحق كونه ظهر على لسان الهدهد؛ لم يمنع نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام من تقبله والتثبت منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015