وهناك سؤالٌ يطرح نفسه قبل ذلك: هل يدرس المسلمون أحداث الماضي؟ لأن المستقبل يولد من رحم الماضي، فالمستقبل هو امتدادٌ للحاضر، والحاضر امتدادٌ للماضي، وعليه فهل نحن ندرس أحداث الماضي دراسةً صحيحة؟ العقد الماضي مثلاً، أين الدراسات التي تحدثت عن مكاسب الإسلام فيه؟! أو عن خسائر الأمة الإسلامية، عن الخطأ والصواب، عن الصحيح من غيره؟! أين الدراسات التي تقوّم أعمال المسلمين خلال العقود الماضية، وتحاول أن تضع النقاط على الحروف، لتبين ما هو الخطأ الذي يجب أن يصحح وما هو الصواب الذي يجب أن يستمر، في الواقع لا يزال المسلمون -أيها الإخوة- تسيرهم عواطف تحركهم نحو أحداث الحاضر بدون وعيٍ، فهم يغرقون في مشكلات الحاضر، فلا يفكرون في جذورها لإزالتها، ولا يفكرون في حلولها المستقبلية.
مثال: إنسان يصيبه الصداع مثلاً ويؤلمه حتى لا يستطيع أن ينام من ألم الصداع، فتجد أن كل ما يفكر فيه، هو أن يأخذ حبوباً مهدئة تجعله يتمكن من النوم براحةٍ أو يتحدث براحة، أو يأكل أو يشرب أو يجلس بصورةٍ طبيعية، لكن أن يفكر في أسبابِ هذا الصداع، التي قد تزيد على اثني عشر سبباً من أجل إزالة هذه الأسباب، لا يفكر بذلك، أو يفكر أيضاً في حلولٍ مستقبلية، فإنه لا يفكر، إنما يفكر في لحظته الحاضرة، فإذا زال عنه الألم بدأ يمارس أعماله بصورةٍ طبيعية، ونسي هذا الألم الذي كان يعاني منه.
مثال آخر: إنسانٌ مسه الجوع وألمه فأصبح يتلوى منه، وينصب همه على لقمة عيشٍ تسد جوعته، وتجعله يتصرف بصورةٍ طبيعية، لكن هل يفكر ما الذي آل به إلى هذا المستوى من الفقر والمسغبة والمتربة؟ لا! أو هل يفكر بالحلول المستقبلية التي تجعله يخرج من هذه الأزمة؟ أيضاً لا! كل همه أن يجد لقمةً حاضرةً يسد بها جوعته، فإذا شبع قال لك: أنا يكفيني رزق اليوم، أما المستقبل فله ألف حلاّل كما يقولون.