انتقاص أجرة العامل

الصورة الثانية: عدم إعطاء العامل أجرته أو راتبه الشهري أحياناً يتأخر إلى شهر أو شهرين، بل إلى ستة أشهر بل أحياناً يتأخر لسنوات، وقد حصل من شركات عدة، من بشركات الصيانة والنظافة والتشغيل وغيرها أن يوجد عندها مئات العمال يقيمون ربما ظلوا لسنوات معدودة لم يقبضوا قرشاً واحداً، مماطلة وتسويف وتلاعب وفي غفلة الرقيب، مع أن الكفيل في كثيرٍ من الأحيان يملك من أساليب الكيد ما يجعلهم لا يشتكون، فهو يهددهم بالتسفير إن اشتكوا، وقد يجعل بعضهم يوقعون أحياناً على استلام بعض المرتبات وهم لم يستلموها، ويوقعون لأنهم جهلة لا يعرفون، أو لأنهم جاءوا حديثاً ولا يدرون ما الخطب، أو لأنهم يخافون، ويقول: وقع وسوف يأتيك الراتب غداً، فيوقع العامل لأنه لا يريد أن يثير مشكلة مع كفيله من أول وهلة ويظن أن الأمر سوف يمضي بسلام.

يا أخي! بئس الدرهم والدينار الذي يدخل جيبك من عرق هذا المسكين، واسمع هذا التهديد النبوي المخيف الذي رواه مسلم في صحيحه عن إياس بن ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من اقتطع حق امرئٍ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم الله عليه الجنة، وإن كان شيئاً يسيراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن كان قضيباً من أراك} ما يساوي ريالاً واحد، أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، إن عجز هذا العامل عن استيفاء حقه لا يُسَوِّغُ لك أبداً الاعتداء عليه، ولا تقول: هذا ضعيف لا يستطيع أن يطالب بحقه، ولا أن يصل إلى المحاكم، ولا إلى مكتب العمل، ولا إلى أين يذهب، لا تقل هذا لأنه ليس هو خصمك، بل أن خصمك هو الله، من يقل هذا؟ يقوله الرسول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، يقول في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره} أي استوفى منه العمل ولم يعطه مقابله، فالله تعالى خصمك يوم القيامة.

لقد استوفيت منه العمل أو بعض العمل، فلماذا لم يستوف منك الأجرة كلها أو جلها؟ ألم تعلم أن من أسباب البركة في مالك، والسعة في رزقك، ألَّا يدخله قرش ولا ريال من كد هذا العامل، ألا تعرف قصة الرجل الإسرائيلي {الذي عمل عنده عامل أحد الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار عمل عنده عامل، فذهب وترك أجرته، فنماها له، فأتاه بعد سنين، فقال: اتق الله وأعطني حقي، فقال: كل ما ترى من حقك فأخذ وادياً من الإبل ووادياً من البقر ووادياً من الغنم، حتى كان يقول: أتسخر بي! قال: إني لا أسخر بك، فاستاقه كله وما ترك منه شيئاً} .

إنه عزل حقه ونصيبه ونماه له حتى أصبح هذا العدد الكبير من الشاة والبقر والإبل ثم أعطاه إياه، ولذلك بارك الله تعالى له في رزقه ووسع له في دنياه، ولذلك كشف الله تعالى عنه الشدائد فلما انطبقت عليهم الصخرة فسأل الله تعالى بهذا العمل الصالح زالت عنهم وخرجوا يمشون، فإذا كنت تريد أن يكون الله لك في شدائدك وكربك وأزماتك المالية وأزماتك الاقتصادية، بل ومصائبك في نفسك، وفي أهلك، وفي مالك، وفي ولدك، وأنت قادم على مصائب أعظمها مصيبة الموت، فإياك إياك أن يدخل جيبك قرش أو ريال بغير حق.

وبعض أصحاب العمل يفرض على العامل نسبة معينة ثقيلة، فهو قد جاء به أنه سوف يعمل بشروط معينة لقاء راتب معين، ألف ريال مثلاً أو أقل أو أكثر، فإذا جاء قال له: لا، نغير العقد، المطلوب منك مثلاً أن تعطيني شهرياً مبلغ ألف ريال أو ألفين ريال أو ثمانمائة ريال، فما زاد فهو لك، فهذه النسبة أحياناً تكون نسبة ثقيلة لا يستطيع العامل أن يقوم بها، ولا أن يحققها، وما يسر له الكفيل شيئا، لا سكنناً، ولا سيارة، ولا عقود عمل، ولا مراقبة، ولا شيئاً، وإنما تركه يسيح في الأرض يبحث عن عمل، المهم أن يأتي بخراج شهري تأتي به إليه وهو ذلك المبلغ المعلوم، وبئس هذا المال أيضاً الذي جاء نتيجة كد هذا العامل وسرقة جهده، فماذا عملت أصلاً مقابل هذه النسبة التي تأخذها؟ ماذا وفرت له؟ نعم، أنا أعترف أن منهم من يحسن فيوفر للعامل سكناً ويوفر له سيارة وقد يوفر له عقود عمل أحياناً ويراقبه أيضاً، ويرفق به، وتكون النسبة المتفق عليها نسبة معقولة مرضية للعامل ومرضيه لصاحب العمل وليس فيها ظلم، ومثل هذا لا إشكال فيه، الإشكال هو في تلك النسب الباهظة العظيمة؛ مع الإهمال الكامل للعامل.

وآخرون يقتطعون من راتب العامل شهرياً مبلغاً معيناً بعدما يستلمه أو يوقع على استلام المبلغ كله ويأخذون جزءاً منه، ويحتفظون بهذا؛ فإذا أرادوا أن يسفروه -مثلاً- سفروه على حسابه هو، مع أنهم ملتزمون أن يكون السفر على حسابهم.

وبعضهم يبخسون العمال مرتباتهم؛ فيعطونهم راتباً لا يكفي لشيء، حتى إن بعض العمال يشتغل بثلاثمائة ريال شهرياً، وعنده هو أعمال يريد أن يقوم بها وهو يريد أن يجمع للزواج، ويريد أن يرسل لأبويه، وقد ترك وراءه أقارب كثيرين هناك بل ربما يكون متزوجاً وله أطفال، وربما كان هذا الرجل قد تحمَّل مبالغ ضخمة -كما سوف يأتي- من أجل أن يجيء إلى هذه البلاد؛ وأخيراً يكون مرتبه ثلاثمائة ريال أو أربعمائة ريال.

بل أشد من ذلك أن بعض الناس قد يكون موظفاً في عمل، فيتفق مع عامل آخر على أن يقوم بالعمل بالنيابة عنه، ويكون الرجل الأصلي الذي العمل باسمه يستلم ألفي ريال مثلاً، يعطي للعامل منها الذي يقوم بالعمل فعلاً ويتعب ثلاثمائة ريال، ويضع في جيبه ألفاً وسبعمائة ريال مقابل أنه يوقع على الكشف في نهاية الشهر، ولاشك أن هذا المال حرام حرام حرام! شاء أم أبى واستفت قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك، ألف وسبعمائة ريال تأخذها من عرق وجهد هذا المسكين مقابل ماذا؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015