المراد بهموم الإنسان

إذاً نحن حين نتكلم عن هموم الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، لا نقصد به هموم الجسد فحسب، ولا هموم المادة فسحب، ولا هموم الأشباح الحسية، وإنما نقصد هذه ونقصد معها هموم العقل وهموم الروح، التي بها تميز الإنسان وصار إنساناً، وأنقل لك ولكِ أختي المسلمة أيضاً، نصاً آخر عن الراغب في كتابه السالف الذكر أيضاً، وهو نصٌ جميل يقول: "جعل الله الإنسان سلالة العالم وزبدته، وهو المخصوص بالكرامة، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الاسراء:70] وجعل ما سواه كالمعونة له، كما قال الله تعالى في معرض الامتنان: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:29] قال: وليس فضله بقوة الجسم؛ فالفيل والبعير أقوى منه أجساماً، ولا بطول العمر في الدنيا، فالنسر أطول عمراً منه".

وأقول من عندي: ذكر بعض الذين صنفوا في الحيوان كـ الجاحظ، والدميري وغيرهم، أن الضب أيضاً طويل العمر، حتى قال بعضهم: إنه يعيش إلى سبعمائة سنة، ولا أدري من هو الذي عاش سبعمائة سنة، حتى راقب الضب واكتشف أنه عاش هذه المدة الطويلة! المهم هذا مما قيل.

يقول: فليس فضل الإنسان بقوة الجسم؛ فالفيل والبعير أقوى منه أجساماً، ولا بطول العمر في الدنيا؛ فالنسر والفيل أطول منه عمراً، ولا بشدة البطش؛ فالأسد والنمر أشد منه بطشاً، ولا باللباس واللون؛ فالطاوس والدراج أحسن منه لباساً ولوناً، ولا بالقوة على النكاح؛ فالحمار والعصفور أقوى منه نكاحاً، ولا بكثرة الذهب والفضة؛ فالمعادن والجبال أكثر منه ذهباً وفضة.

قال المتنبي: لولا العقولُ لكان أدنى ضيغم أدنى إلى شرف من الإنسانِ ولما تفاضلت النفوس ودبرت أيدي الكماة عوالي المرانِ أي لولا العقول التي ميز الله بها الناس، لكان الحيوان أدنى إلى الشرف من الإنسان، ولما تفاضل الناس فيما بينهم، ودبرت أيدي الأبطال الشجعان في المعارك الأسلحة التي يحملونها.

يقول: وليس فضل الإنسان بعنصره الموجود منه، كما زعم إبليس حيث قال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:76] بل ذلك بما خصه الله تعالى به من المعنى الذي ضمنه فيه، والأمر الذي رشحه له، وقد أشار إليه بقوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29] وقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] .

إذاً ميزة الإنسان أن الله تعالى خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، فوقع الملائكة له ساجدين، أعني آدم عليه السلام، ثم كانت سلالته مفضلة على بقية الخلق بالعقل والروح والتكليف، فميزهم الله تعالى وفضلهم على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً.

قد رشحوك لأمرٍ لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015