إذاً فنحن ننظر للمرأة على أنها الجزء الآخر من الحياة، والوجه الثاني من المجتمع، ونعتبر الذين ينظرون إلى المرأة، على أنها مجرد أداة لترويج بعض البضائع والسلع، أو مادة للإعلانات التجارية كما يحصل في التلفاز وغيره، أو أنها صورة للإغراء على غلاف مجلة، حتى يقبل عليها المراهقون، أنهم يستخدمون من المرأة الجانب الجسدي فحسب، ويحرضون فتيات المجتمع على العناية بالجانب الجسدي وحده، فنحن نعلم جميعاً -ولا يختلف منا اثنان في هذا- أن الذين يقدمون المرأة في إعلانٍ تجاري في التلفاز، أو على صورة غلاف في مجلة، لا يقدمون للناس الفتاة العاقلة، ولا يقدمون الفتاة الخلوقة، ولا يقدمون الفتاة الذكية، ولا يقدمون الفتاة المتدينة، ولا يقدمون الفتاة البارة، ولا يقدمون الفتاة القادرة على صناعة الحياة، وصناعة السعادة، كلا، إنما يقدمون الفتاة الجميلة!!.
وهم بهذا يقولون لفتيات المجتمع: إن الأهمية هي للجانب الجسدي فحسب، وهي للجمال فقط!! وهذا في الواقع إجحافٌ بحق المرأة ذاتها، قبل أن يكون إهداراً لكرامة الإنسان، وذلك أن الفتيات الجميلات من المجتمع يشكلن في كل المجتمعات نسبة معينة افرض أنها (20%) أو (25%) أفلا يعني ذلك أن هؤلاء يحتقرون ثلاثة أضعاف المجتمع؛ لأنهن لا يتميزن بالجانب الجسدي البارز لديهم؟! ثم حتى هذه الجميلة، ماذا قدموا لها؟ إنما جعلوها ألعوبة ومطية للوصول إلى أغراضهم، وجعلوها أداة لترويج بضائعهم، ولأخذ الأموال من جيوب الناس وسرقتها من الفقراء؛ حتى يثروا على حساب الآخرين، فهم في الواقع حطموا جنس الإنسان أولاً، وحطموا عنصر المرأة بالذات ثانياً، فأولى طبقات المجتمع بأن تحارب هذه النوعية من الناس هي المرأة، لأنهم يوجهون إلى المرأة تهمة خطيرة، ويحقرون المرأة بما فيه الكفاية.
إن صناعة الإعلام في العالم كله -أيها الأحبة- تقوم عليها اليوم شركات تستخدم من المرأة أداة ترويج لكل شيء، حتى أخص خصائص المرأة تستخدمها شركات الإعلام والإعلان في أغراضٍ لا تمتُّ إلى المرأة بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، وربما وجدت إعلاناً عن بعض المعدات الثقيلة، أو الدركترات أو غيرها، أو السيارات، فوجدت أنهم يعلنون عن ذلك، ويلفتون نظر المشاهد من خلال صورة امرأة جميلة.
ونحن لا ننكر الجانب المادي من المرأة، ولذلك سنتحدث في هذه الحلقة وفي حلقات قادمة -إذ قد لا يتسع الحديث الآن لكل شيء- عن الجوانب المادية من المرأة، فسأتحدث عن الموضة والشعر والزواج والمنزل وغيرها، ولكننا سنضيف إليه الجانب الأخلاقي والمعنوي من المرأة، فنتحدث -مثلاً- عن العبادة، وعن الدعوة، وعن أحوال القلب، وعن الأسرة، وعن العمل، وعن الدراسة، وعن الأشياء الأخرى التي تحتاج المرأة إلى الحديث عنها.
أيها الإخوة والأخوات، كنا بالأمس نسمع بعض الناس يتحدثون عن غياب المرأة، أو غياب الفتاة عن مجالات الإبداع، والأدب، والشعر، والقصة، والنقد، وضعف مشاركتها في هذا المجال، ليس في هذه البلاد فحسب، بل في بلادٍ أخرى كثيرة، فإذا برزت امرأة وكتبت مقالة، أو قصة أو قصيدة أو أخرجت ديواناً، صفقوا وطبلوا، وحاولوا أن يبرزوا هذا من أجل دعوة الأخريات للمشاركة والمساهمة، أما اليوم فإذا بنا نجد أن الأمر تحول إلى مجالات الشعر الشعبي مثلاً، الذي لا يعني أكثر من مغازلات مكشوفة على صفحات الجرائد؛ التي أصبحت تخشى من الكساد، فتتلاعب بمشاعر المراهقين والمراهقات دون رقيبٍ ولا حسيب، فاليوم نقرأ قصيدة شعبية لفتاة، وغداً قصيدة شعبية لفتى، تدور حول عبارات الحب والغزل والغرام والتغني بالحبيب، والشوق إلى لقائه، وشتم العادات والتقاليد على حد تعبيرهم، التي تحول بينهم وبين ما يشتهون.
وتصور فئة قليلة من المجتمع على أنهم يمثلون طبقة الشباب، أو طبقات الفتيات كلهن، بل تطور الأمر أكثر من ذلك، فأصبحنا نجد بعض الصحف الرياضية تنذر بقدوم الأقلام النسائية على صفحاتها الباهتة، وتستفز مشاعر المجتمع بهذه الطريقة الغريبة، ولما لم تجد هذه الصفحات ومن ورائها، تجاوباً من بنات هذا المجتمع، صارت تكتب بأقلامٍ رمزية وتستعير أسماء وهمية للنساء، لا وجود لها إلا في خيال المرضى الذين صنعوها واختلقوها، فهذه مثلاً فتاة كذا، وهذه بنت بريدة، وهذه فتاة الحفر، وهذه مشجعة هلالية، وهذه فتاة نصراوية، وهذه وهذه الخ، وبعناوين ملفتة، فلانة ترد على فلان، أو عنوان آخر: بنات يهاجمن فلاناً، إثارة مكشوفة، دعوة البنات إلى المساهمة في مجال الكتابة الرياضية، تمهيداً لبروزهن ومشاركتهن ومطالبتهن بالرياضة، وكأن هذه الجريدة الباهتة، تستجدي بناتنا أن يكتبنَ إليها تجاوباً معها، بعد ما استثارت، أو حاولت أن تستثير مشاعرهن للكتابة.
وأنا بطبيعة الحال لستُ أنكر أنّ في مجتمعنا بعض الفتيات المخدوعات، لكنني أعلم علم اليقين -ويعلم غيري- طرائق بعض غلمان الصحافة، لجر الفتيات إلى ما يريدون، وطرائقهم إيضاً في طرح الموضوعات النسائية بأسلوبهم الخاص.
ونحن نخاطب أولاً الإخوة القائمين على تلك الصحف، أن يتقوا الله تعالى في بنات المسلمين، فلسنا بحاجة إلى مثل هذه الهموم الرياضية الجديدة إن صح التعبير، التي يريدون أن يغرقوا فيها بنات المسلمين، وكفى ما نال شبابنا من الضياع على مدرجات الكرة، وكفى ما نال شبابنا من الضياع على الأرصفة.
ونخاطب ثانياً أولياء أمور البنات والشباب في بيوتهم، أن يراقبوا بيوتهم جيداً، فمن غير المعقولٍ -أيها الأب الكريم- أبداً أن تشتري جهاز التلفاز، وتضعه في البيت، ولا تدري ماذا يحدث بعد ذلك، فأقل ما نستطيع أن نقوله لك: إن هذا الجهاز يعرض المباريات الرياضية، وليس ببعيد، أن يكون من بين اللاعبين -وهم يظهرون بصورةٍ تبرز أكثر أجسامهم- من يلفت نظر الفتيات، فيكون مجالاً للإغراء، ومجالاً للإعجاب، ومجالاً للحديث، ومجالاً للاتصال، وربما اتصلت فتاة تسبق دمعتها كلمتها، تقول: كنتُ أسخر ممن يقولون: أخرجوا التلفاز من البيوت، واليوم عرفتُ لماذا يطالب الصالحون بإخراجه من البيوت، لأنني وقعت ضحيته، ووقعت في هوى من لو جاء يخطبني من الباب ما قبلته، ولكنها بلوى الفؤاد.
كما أننا نخاطب القائمين على رقابة الصحف في كل مكان، ألّا يسمح بنشر مثل هذا الهراء، ومثل هذا الهوس الكروي على صفحات الجرائد والمجلات، حفاظاً على أخلاقيات الأمة، وحفاظاً على المستوى الذي نريده لصحافتنا! أما بعد: