كلمة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي

أيها الإخوة: أترككم مع كلمة لأحد مشايخنا، وهو شيخنا الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي فليتفضل.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: إننا نرحب بإخواننا ونحييهم في بلدهم بلد العلم، وبلد العقيدة، وبلد الدعوة، فحياهم الله في بلدهم ومع إخوانهم، وإننا لنرجو الله أن يثيبهم، ويجازيهم على ما بذلوه من تعب وجهد في السفر من بلادهم إلى هذه البلد المباركة، وعلى ما تركوه من مشاغلهم، وجاءوا حباً للعلم ولأهله.

أيها الإخوان: إن الله سبحانه وتعالى قد منَّ على عباده بإرساله محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم، حيث قال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] وإن أكبر نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض هي إرساله محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم بالهدى ودين الحق.

وكثيراً ما يذكر سبحانه وتعالى بهذه النعمة في كتابه العزيز {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [الأنفال:26] وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران:102-103] .

وقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] وإذا أراد الإنسان أن يعرف مدى هذه النعمة وعظمها؛ فعليه أن يلقي نظرة ولو سريعة على ما كان عليه العالم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أدرك ذلك وعرفه، عرف مدى عظم النعمة الذي منَّ الله بها على عباده من وفقه منهم وهداه لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

كل واحد من هؤلاء الحاضرين يدرك ويعرف يقيناً الفساد والضلال والجهل الذي كانت عليه الأمم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الخير ما حصل لهم إلا بالشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، فالعالم قبل الإسلام كانوا أمماً وثنية منها الأمم المتحضرة كالفرس والروم والأحباش وغيرهم، ولكن مع هذا هم يستعبدون شعوبهم، ويرون أنهم من جنس غير الجنس الذي منه الملوك والرؤساء.

بل يريدون منهم أن يقدسوهم ويعبدوهم، وهذا ثابت في التاريخ لكل ناظر ينظر فيه، ولهذا لما دخل رجل من الفرس على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد حلق لحيته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أمرك بهذا؟ قال: أمرني ربي -يريد ربه الملك كسرى- فكانوا يؤلهون أنفسهم، ويرون أنهم أرباب لشعوبهم، وأنه لا يجوز لأحد أن يخرج عما يريدونه أو ما يأمرونه به، أو يشرعونه لهم.

أي: أن الشعوب عبيد والملوك آلهة، وهذا ظاهر لكل من ينظر في تاريخ الأمم السابقة قبل الإسلام، وما أشبه الليلة بالبارحة، هذه حالة أولئك، ولا أريد أن أشرح قولي: ما أشبه الليلة بالبارحة لأنه واضح، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد بأهل الأرض خيراً فأرسل إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم، فدلهم على الخير، ونهاهم عن الشر، وقال بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: [[توفي النبي صلى الله عليه وسلم وما من طائر يقلب جناحيه في الهواء، إلا وذكر لنا منه علماً]] .

وقال عمر رضي الله عنه: {خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فذكر بدء خلق الإنسان إلى أن دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ولم يترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه} .

وقال عليه الصلاة والسلام: {تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك} وقال عليه الصلاة والسلام: {إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي} .

فعلى الأمة الإسلامية أن تقتدي بهذه النصوص والأخبار عنه صلى الله عليه وسلم، وتعمل بها لأجل أن تنجو من الشرور المحدقة بها في الدنيا والآخرة، وإذا نظرنا إلى واقع المسلمين في هذا العصر وجدنا أن قوله عليه الصلاة والسلام: {يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا يا رسول الله: أمن قلة نحن؟ قال: لا، أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل} .

وصدق صلى الله عليه وسلم، المسلمون يبلغون ألف مليون في العالم أو يزيدون، ومع هذا لا تجد إلا القليل والقليل جداً من يتمسك بشرع النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتفي أثره في التشريع وفي الأحكام، بل اختاروا لأممهم وشعوبهم شرائع جاءوا بها من عند أعدائهم أعداء المسلمين، أعداء الإسلام الذين ما فتئوا يبحثون عما يضعف الإسلام، أو يقضي على الإسلام منذ بزغ نور الرسالة، وحتى يومنا هذا، ما زالوا يدبرون المؤامرات، ويدبرون الخطط لإضعاف الإسلام أو القضاء عليه، من بعثته صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، بالمؤامرات، بالحروب، بإحداث الأفكار المنحرفة السيئة، وكل هذه الأوقات والأزمنة التي مضت ما استطاعوا أن يحصلوا على مرادهم في القضاء على الإسلام، ولكن في عصرنا الحاضر جعلوا لهم أعواناً من المنافقين والملحدين والكافرين الذين اندسوا في صفوف المسلمين، وجعلوا لا يفتئون يفرقون صفوفهم، ويحدثون الخلافات بينهم، ويشككون نشء المسلمين في عقيدتهم وفي شرعهم.

وكانت لهم صولات وجولات في الكتابات، وفي الشعر، وفي التشريع، وفي المناهج كطريقة المنافقين الأولين، يفعلون أموراً يظهر منها الإصلاح وهم يريدون بها القضاء على الإسلام، يزعمون أنهم مصلحون وهم والله مفسدون يريدون القضاء على الإسلام، وينفذون أوامر أسيادهم في خارج بلاد المسلمين، وإلا فكيف يرضى المسلمون، كيف يرضى حكام المسلمين أن يتحاكموا إلى الطاغوت (إلى القانون) ويجعلونه دستوراً، وشريعة يرجع إليها أفراد الأمة وجماعاتها يتحاكمون إلى الطاغوت وإلى القانون في معظم بلاد المسلمين، وينسون أنه سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] .

هذا خبر منه سبحانه وتعالى عامٌ لا يقصد به أمة من أمة، ولا قوم من قوم، وإنما هو عام لجميع الناس، لجميع الأمم، من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحكم غيرهما سواء حكمهما في كل شيء، أو حكمها في شيء دون شيء، فإنه داخل تحت قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] .

نرى أعداء الإسلام الكافرين، والملحدين، والعلمانيين، والحداثيين، ومن لف لفهم يصولون ويجولون في العالم الإسلامي، بقصائدهم، وكلماتهم، ومقالاتهم، ولا نرى أحداً يعترض لهم، أو ينقدهم، أو حتى يسمح لغيره أن ينقدهم أو يرد باطلهم، وأما غيرهم من المصلحين من الدعاة الذين يريدون تقويم الأمة، ويريدون تطبيق شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعليم الكتاب والسنة، هؤلاء توضع العراقيل في طريقهم، ولا يتمكنون من تبليغ رسالات ربهم في معظم العالم الإسلامي، بل يحال بينهم وبين دعوتهم، وبينهم وبين ما يريدونه.

ولكن إذا رأينا هذه الصحوة -التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل التوفيق رفيقها ومصاحبها، وأن ييسر لهم ما يهدفون إليه من تقويم الأمة، وتطبيق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم- إذا رأينا ذلك فإننا نعلق آمالاً عظيمة على هؤلاء وعلى مناهجهم، وعلى طريقتهم في الدعوة إلى الله وإلى الجهاد، ومعلوم أن الجهاد ليس طريقه مفروشاً بالورد، ولكنه مفروش بالشوك، ومفروش بالمتاعب، ولا بد في ذلك من الصبر والتحمل، ولا بد من الإصرار على إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وتحكيم شرعه في جميع العالم الإسلامي على يد هؤلاء الشباب الذين نذروا أنفسهم ونذروا حياتهم للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى سبيله، وإلى نصرة كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015