كلمة الشيخ ابن عثيمين

أيها الإخوة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحييكم في هذا اللقاء الطيب المبارك إن شاء الله، إخواني في الله اغتناماً لهذا الوقت نلتقي مع بعض مشايخنا الفضلاء، ومع أستاذنا وشيخنا صاحب الفضيلة محمد بن صالح العثيمين فليتفضل مشكوراً.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإننا هنا في القصيم نرحب بإخواننا الذين قدموا إلينا من بلاد شتى، ونسأل الله تعالى أن يجعل هذا أول بركة لهذا المشروع الجيد المفيد، الذي فيه حفظ لشريعة الله عز وجل، بحفظ سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والذي نسأل الله تعالى أن يجعله أول باكورة لمثل هذا المشروع، فإن هذا -كما نعلم جميعاً- هو أول ما حصل من هذا النوع، لأن الناس كانوا فيما سبق يعتنون بكلام الله عز وجل، ونعم المعتنى به، وهو الذي يجب أن يعتني به أولاً.

ولكن هذا اللقاء لبيان المتسابقين ومراتبهم وجوائزهم هو أول سباق من نوعه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة} .

وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أن حفظ شريعة الله، كما يكون بحفظ القرآن والسنة، فإنه يكون بحفظ الشريعة عملاً يعمل بها الإنسان فيما يعتقده في ربه، في أسمائه، وصفاته، وأحكامه وأفعاله، وفيما يعتقده في كتبه، ورسله، وملائكته، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

وكذلك أيضاً فيما يقوله بلسانه، من تسبيح الله تعالى وتهليله وتكبيره، وقراءة كتابه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك مما يقرب إلى الله، وكذلك مما يكون في أفعاله من القيام بعبادة الله على الوجه الأكمل، والقيام بمعاملة عباد الله على الوجه الذي يحب أن يعاملوه به، وإن أهم من يقوم به، وأعظم من يقوم بهذه الأمور هم طلبة العلم، الذين هم قدوة الأمة في عقيدتها، ومقالها، وفعالها.

فالواجب علينا -نحن طلبة العلم- أن نكون يداً واحدة، وألا نتفرق مهما اختلفت الآراء المبنية على الاجتهاد السائغ، فإن الاختلاف في الاجتهاد أمر ثابت من عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى عهدنا هذا، ولكنه لا يجوز أبداً بأي حال من الأحوال أن يكون سبباً لتفرق القلوب، فإن تفرق القلوب هو الداء العضال الذي لا يفرح به إلا أعداء الأمة الذين ينتهزون الفرص في تشتتها، وتفرقها.

وإنني أرجو من إخواني طلبة العلم أن يكون بعضهم لبعض ولياً، يتولاه، وينصره، ويدافع عنه، ويكون معه في الحق، ويذود عنه، وإذا أخطأ والخطأ لا يعصم منه إلا من عصمه الله -فليبين له الخطأ، وليكن ذلك سراً بينه وبينه، دون أن يفشيه لأحد، لأن الخطأ إذا ظهر للناس فإنه سيجعل فوق الخطأ خطأً آخر وثالثاً ورابعاً وهكذا.

لكن إذا كان نصيحة بين الإنسان وأخيه فإنه يزول -بإذن الله- مع حسن النية، وحسن الطريقة، فالإنسان قد يخطئ، وقد تظن أنه أخطأ، وقد تكون أنت الذي أخطأت، فإذا تقارب الناس وتناصحوا فيما بينهم وتبين الحق؛ فإنه لا يعذر أحد لمخالفته أبداً.

لكن الشر كل الشر أن ينتهز الواحد منا خطأ صاحبه، ثم ينشره بين الناس فتبقى الضغينة والأحقاد، والعداوة والبغضاء بين الناس، ثم إن الخلاف الذي يقع بين العلماء، والتعادي بينهم، والقدح بين بعضهم ببعض ليس ضرراً على العالم شخصياً، بل هو ضررٌ على الشريعة كلها، لأن حملة الشريعة هم العلماء فإذا طعن بعضهم ببعض، لم يثق العامة لا بالطاعن ولا بالمطعون فيه، وحينئذ تضيع الشريعة الإسلامية بين الأحقاد والضغائن.

لذلك أنا أدعو من هذا المكان، وفي هذا المجتمع المبارك إلى أن يرجع كل منا إلى صواب رأيه، وأن يفكر في الأمر، وألا يجعل من مخالفة أخيه عداوة وبغضاء، وألا يجعل أيضاً من نعمة الله على أخيه بقبوله عند الناس ألا يجعل من ذلك حسداً وكراهة لما أنعم به الله عليه، فإن ذلك بلا شك من أخلاق اليهود كما قال تعالى عنهم: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] .

ومن المعلوم أن الحاسد لن يضر المحسود شيئاً؛ لأن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء كما قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} [النساء:54] وإنما يضر الحاسد نفسه، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والحسد جمرة عظيمة في قلب الحاسد، لا يمكن أن يهدأ له بال، ولا يقر له قرار حتى يرى نعمة الله على أخيه قد زالت والعياذ بالله.

وحينئذ يهلك ويفقد تمام الإيمان الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} .

وإن ظني في ختام كلمتي هذه أن الذين يقومون على هذا المشروع الجيد الطيب، وهو حفظ السنة، ظني أنهم لن يغفلوا ما ينبغي أن يكون الطلبة منه على علم، وذلك: بفقه الأحاديث والعمل بها، ودعوة الناس إلى ما تدل عليه من الأخلاق والآداب العالية، كما أظن أيضاً أنهم لن يغفلوا رجال الإسناد، وحفظ الطلبة للرجال، لأن ذلك يعينهم على ما إذا أتى هؤلاء الرجال في سياق ما ليس في الصحيحين أو أحدهما، فيعرفون الحديث بمعرفة رجاله، واتصال سنده.

وأخيراً أسأل الله تعالى أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً، وأن يجعل سعي الجميع مشكوراً وذنبنا مغفوراً إنه جوادٌ كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

المقدم: شكر الله لفضيلة شيخنا على هذا الكلمة التوجيهية لأهل العلم، وأحب أن أبشر فضيلة شيخنا وغيرهم، بأن الحلق العلمية تحرص أشد الحرص على معرفة فقه الحديث، بل إن هناك حلقاً في هذا البلد خاصة لفقه الأحاديث، فالحمد لله إن أغلب من يحفظون الحديث هم ممن يهتمون بفقه الحديث، وهذا فضل من الله ومنّه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015