خامساً: الاحتقار والإهانة والسب والشتم وعدم مراعاة الحقوق المعنوية للعامل، فإن صاحب العامل؛ بل ومن يعملون عنده؛ بل وعامة الناس في كثيرٍ من الأحيان لا يرعوي أحدهم بأن يحتقر العامل، أو يسفهه، أو يسبه، أو يشتمه، أو يضربه، أو يهينه بألوان الإهانة، أو يستخدم معه أساليب اللف والدوران سواءً بالكلام أو بالقول أو بالفعل، باعتبار أن هذا العامل في نظرهم مخلوق من الدرجة الثانية أو الثالثة لأنه لا يملك مكتباً ضخماً -كما تملك أنت يا صاحب العمل- ولا سيارة فارهة، وليس له هنا أسرة ولا أولاد، حتى ردُّ السلام أحياناً نعتقد أنه ليس ممن يدخل فيه، أو ترد عليه السلام، وربما لو رأينا رجلاً يُسلم على هذا العامل -أحياناً- لدارينا ابتسامة في شفاهنا، يسلم على هذا العامل؟! أما المصافحة والبشاشة في وجوههم، وإدخال السرور على قلوبهم، والحديث معهم؛ فأعتقد أن الكثيرين منا يعتقدون أن هذا مما لا يليق أن يفعله الإنسان مع العامل.
إذاً يعتقدُ الكثيرون أن النصوص الشرعية يُستثنى منها العمال، ولا أدري من أين جاء هذا الاستثناء الذي أصبح قاعدة مستقرة في قلوب وعقول الكثيرين، إن هذا ليس خاصاً برب العمل؛ بل هو عامٌ في المجتمع كله، وكلمة هندي -مثلاً- في دول الخليج كلها لها معنى خاص، ولها تداعيات معروفة، بل الذي يكره زوجته يناديها، ويقول لها: تعالي يا هندية، روحي يا هندية، يا أخي! الإسلام ليس فيه عربي وعجمي وهندي، وغير هندي، إنما فيه مسلم وكافر! {المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره يحذره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] .
مجتمع الإسلام الأول كان فيه محمد صلى الله عليه وسلم العربي، وأبو بكر العربي، وفيه بلال الحبشي، وفيه صهيب الرومي، وفيه سلمان الفارسي، وبناة الإسلام من القواد والفاتحين والعظماء والعلماء والدعاة كان فيهم من كل بلاد الدنيا دون استثناء، فلماذا التعيير بالجنسية، أو باللون، أو بطبيعة العمل، أو بأي شيء آخر؟! ولماذا تتخذ من ضعفه مجالاً لأن تمارس عليه ألوان التسلط والإذلال؟ يا أخي! يقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم: {اعلم يا فلان لله تعالى أقدر عليك من قدرتك أنت على هذا الغلام أو على هذا العامل} .