الصورة السابعة من صور الظلم هي: إحضار العمال بدون عمل؛ فيحضر الواحد عشرة أو عشرين أو حتى عدداً بالمئات أو بالألوف -أحياناً بالنسبة للكبار- من العمال ويتركونهم بدون عمل وليبحثوا لأنفسهم عن عمل، ويسلموهم مقابل ذلك مبلغاً شهرياً، أما الكفيل فلا يدري في أي بلدٍ يقيمون، وأي عمل يزاولون وقد ترتب على ذلك مفاسد عظيمة جداً، منها: أولاً: تكدس أعداد كبيرة من العمال أكثر من الحاجة المطلوبة دون أن يكون هناك عمل يقومون به، وهذا لاشك له أضرار كبيرة جداً من الناحية الاجتماعية، والأخلاقية، والاقتصادية، في البلاد لو أن هناك من يلاحظ ذلك ويراقبه.
ثانياً: عجز وفشل في الشركات والمؤسسات الكثيرة التي أصبحت تتاجر بجهد العمال وعرقهم ثم تشهر إفلاسها وتعلن عنه بعد ذلك.
ثالثاً: هي الجرائم العظيمة والخطيرة لمثل هؤلاء، إن الكثيرين ممن يحضرون العمال ويفرضون عليهم نسبة معينة لا يراقبونهم، ولا يدرون أين يذهبون، ولا بماذا يتاجرون، فربما تحول العامل في كثير من الأحيان إلى تاجر مخدرات، لأن هذا أقرب طريق، ولأنه يضمن من ورائه أرباحاً طائلة، وتحوَّل آخرون إلى متاجرين بالرذيلة والفاحشة والفساد، وتحولت فئة ثالثة إلى قوم يتعاطون ويبيعون الأفلام المحرمة من أفلام السكس وغيرها؛ لأن هذه الأشياء أمور يستطيعون أن يقومون بها ويجدون من ورائها أرباحاً طائلة؛ وهم قومٌ مغفول عنهم لا يسألون أين راحو، ولا أين أتوا، ولا مما كسبوا، ثم إن من جراء ذلك: الحوادث والجرائم الضخمة العظيمة، وعلى سبيل المثال: في عام (1410هـ) ذكر الكتاب الإحصائي لوزارة الداخلية -وهو كتاب رسمي موثق- يتكلم عن الجرائم والحوادث المسجلة رسمياً، دعك من الأمور التي انتهت، ودعك من الذي لم يكشف، دعك من هذا كله اقتصر فقط على المعلن رسمياً من كتاب الإحصاء لوزارة الداخلية عام (1410هـ) يقول لك: إن الحوادث الجنائية (22952) حادثاً لهؤلاء الذين -اتهموا طبعاً بهذه الحوادث- من خارج البلاد تسعة الآلاف وستمائة إنسان (9600) هذا خلال عام واحد، وفي خلال حوادث معينة فقط وهي الحوادث الجنائية أيضاً، فما بالك بكل الجرائم، وما بالك بما لم يصل إلى المستوى الرسمي، وما بالك بما كان بعد ذلك في السنوات التالية.
أما حوادث الانتقام والقتل فهي كثيرة، فكثيراً ما يعتدي العامل أو الخادمة أو المربية على أهل المنزل فيبيتهم ليلاً ويقتل منهم بسبب من الأسباب.
وكذلك أيضاً حوادث السحر والشعوذة والكهانة وغير ذلك وقد انتشرت في البيوت وكثرت كثرةّ غريبة ملفتة للأنظار، وأدعو طلبة العلم والمهتمين بالأحوال الاجتماعية والخطباء إلى الانتباه والاهتمام لهذا الخطر الراهن، فقد علمت من خلال الأسئلة الكثيرة التي تصل إليَّ أن كثيراً من البيوت أصبح فيها مخاوف من السحر والشعوذة والكهانة وغير ذلك، وأصبح كثير من النساء تستخدم بعض العاملات الأجنبيات في مثل هذا العمل، وكثير من العمال أيضاً الذين لا يجدون عملاً يتاجرون بمثل هذه الأشياء.
ومثله أيضاً الأعمال غير الأخلاقية التي يتورطون بها رجالاً أو نساء، وقد فتحت الصحافة المصرية بعد حرب الخليج ملفاً خطيراً للعمال المصريين في منطقة الخليج سمته: الرق المؤقت، وهذه الكلمة لها دلالتها على بعض الظلم الذي يقع فعلاً على العمال، والذي قد نظن أنه ينسى؛ ولكن الواقع أنه مكتوب محسوب لا أقصد في الدار الآخرة فهذا أمر معروف، ولكن حتى في هذه الدنيا فإن روائحه أصبحت تتكلم عنها الصحف العربية وغير العربية.
إن الإنسان المسلم الذي جاء ثم لم يجد عملاً سوف يأخذ انطباعاً سيئاً عن هذه البلاد وأهلها، وسوف يرجع بصورة غير الصورة التي جاء بها.
لقد جاء يتصور أنه قادم على أولاد الصحابة، وعلى الفضلاء النبلاء الأخيار الأتقياء الأبرار، فوجد أن الأمر بخلاف ذلك فرجع بغير الوجه الذي ذهب به، رجع يحمل انطباعاً سيئاً عن هذه البلاد وأهلها من خلال رب العمل والكفيل!! بل من خلال المجتمع الذي يعتبر في نظره متواطئاً على تلك الجريمة، أما غير المسلم فقد أكدَّت له تلك التصرفات والأعمال المعلومات التي كانت تقال له من قبل عن الإسلام والمسلمين، لقد عُثِّئ قبل أن يأتي عن صورة الإسلام وصورة المسلمين واضطهادهم وظلمهم وعدم إنسانيتهم وغير ذلك، فلما جاء رأى بعينه ما كان يقال له من قبل، فأصبح بالنسبة له عين اليقين.