الهدنة مع المسلمين

أولها: نوع من الهدنة مع المسلمين الذين يتصفون بالمرونة -كما يسمى- كحل مؤقت يضمن لهم عدة نتائج:- النتيجة الأولى: أن الغرب لا يستطيع مواجهة المسلمين كلهم جملة واحدة، فلذلك يسعى إلى تقسيمهم إلى أقسام، قسم من المسلمين يمكن أن يتعامل معهم الغرب، بل يمكن أن يتحالف معهم، ويظهر الرضا، ويكتب تقارير المديح والثناء، ويحاول تحسين صورتهم شيئاً ما، وهم أولئك المسلمون الضعفاء الذين لا يحسون بأي روح عداء للغرب، بل هم إما جهلة، أو عملاء، أو منافقون، أو ما أشبه ذلك، فهو يضمن عدم مواجهة المسلمين جميعاً بالتحالف مع فئة منهم، من ضعفاء الإيمان وضعفاء النفوس.

أما الأمر الثاني الذي يضمنه الغرب أنه قد يستطيع ضرب المسلمين بعضهم ببعض، فيضرب من يسميهم بالأصوليين والمتطرفين والإرهابيين بمن يسميهم بالمسلمين المعتدلين، الإسلام المعتدل، الإسلام المرن، الإسلام غير الأصولي، الإسلام العصري، ولذلك تجد أن جميع الدول العربية اليوم تعلن حرباً على ما تسميه بالإسلام الأصولي.

فمصر -مثلاً- أقرت قانون مكافحة الإرهاب الذي يضمن لرجل الأمن أن يضرب أي مشتبه به في الشارع دون أن يقال له: لماذا، وأن يخطأ في العقوبة خير من أن يخطأ في العفو، لا تظن أن جندياً سوف يوقف أو يحاكم؛ لأنه أخطأ في قتل إن لم تثبت جريمته أبداً، لأن مصداق ولائه لدولته، وكرهه للأصوليين أن يقتل دون تمييز، بل في الجزائر جاءتني أخبار دامية كتبها أحد الشباب، وحلف لي بالله أن ما قاله صحيح، وأنه لا يعدو أن يكون بعض الحقيقة، في بلدة الأخيضرية -وهي مركز من مراكز المسلمين القوية- يقول: ذهب أحد الشباب إلى الإسعاف من أجل قلع ضرسه، وكان معه والده، ففوجئ أن أجهزة الأمن تأتي بسرعة، وبطريقة مرعبة، فتأخذه من أحضان أبيه وتذهب به إلى الساحة العامة، ثم تطلق عليه الرصاص لترديه قتيلاً، فأصيب والده بالغيبوبة، أما الطبيب فقد أصيب بانهيار عصبي، وماذا كان ذنب هذا الشاب، كان ذنبه أنه ملتحٍ.

لا مانع أن تكون أجهزة الأمن اشتبهت فيه، لكن لا تحقيق ولا محاكمة ولا مساءلة ولا سجن، بل يأخذه من حضن والده ثم يوضع في الميدان العام ويقتل!! دول المغرب العربي لما اجتمعت وفشلت في الهدف الذي اجتمعت له، أعلنت على الاتفاق على استراتيجية واحدة لمقاومة الأصوليين، وكتب يوسف دمنهوري في جريدة الندوة، مقالاً، يطالب فيه بالقضاء على الأصوليين الذين يدمرون المنجزات الحضارية للدول، ويهددون اقتصادها بالإفلاس، وقد كتب مقالاً بالأمس أو اليوم يعتذر فيه عن هذا الكلام، ويرد على من تكلم في شأنه فضيلة الشيخ سفر الحوالي، إلا أن كتاباته لم تكن اعتذاراً وإنما كانت نوعاً من اللف والدوران تجاه هذا الأمر، وأعتقد أنه يجب ألا يكتفي بذلك حتى يعلن تراجعه عما قال علانية.

المهم أن الغرب يريد أن يضرب المسلمين بعضهم ببعض، فيضرب الشعوب بالحكومات، بل يضرب الشعوب بعضها ببعض، لو استطاعوا، وعلى سبيل المثال: هذا يشمل تهييج الحكومات ضد الصحوة، وضد الأصولية، باعتبارها خطراً، بل وتضخيم شأنها من خلال التقارير الصحفية، التي ربما بالغت أحياناً في ذكر هذه الصحوة والحديث عنها، وربما وجدت مقالاً صحفياً طويلاً، أو برنامجاً إذاعياً، أو حتى برنامجاً تلفزيونياً، يمتد لساعة ونصف في إحدى المحطات في الغرب، ما هو موضوعه؟! موضوعه الحديث عن أحد دعاة الإسلام في هذه البلاد، والكلام عن كل كلمة أو عبارة أو حديث أو مقال أو نشاط.

فهذا التضخيم من خلال التقارير الصحفية والمعلومات الإعلامية، أو حتى من خلال المعلومات الأمنية والاستخباراتية، التي لا شك أن هناك آفاق كبيرة للتعاون بين الشرق والغرب، بل حتى بين الشرق وإسرائيل، تعاون أمني للقضاء على الأصوليين، ومعرفة مدى خطورتهم واتصالاتهم، وكيفية مقاومتهم، وكما يشمل ذلك إعطاء الفرص لبعض الشخصيات المحسوبة على الإسلام وعلى الدعوة الإسلامية لتؤدي بعض الدور لتقليص النفوذ العلماني الذي يعتبر ورقة في يد الأصوليين، فإن قوة العلمانيين في أي بلد هي في الواقع قوة كما يقولون للأصوليين؛ لأنها تأكد للشعوب أن تلك الحكومات ليست محايدة، بل هي حكومات علمانية محاربة للإسلام فلا بد من تقليص النفوذ الإعلامي نوعاً ما، ومحاولة أن يستر ولو بعطاء رقيق من بعض الشخصيات التي لها طابع إسلامي، ولذلك تعيد بعض الدول منصب المفتي، وتجعل للمفتي دوراً كبيراً في الإعلام، وربما وضعت له برامج كثيرة، وربما استفادت منه في مناسبات عدة حتى تخادع شعوبها عن حقيقتها العلمانية، وتحاول أن تبرز نفسها كما لو كانت حكومات إسلامية.

كما يشمل ذلك تحريض بعض الأطراف الإسلامية على بعض، ومحاولة ضرب الجماعات الإسلامية بعضها ببعض، وضرب النشاطات الدعوية بعضها ببعض، واعتقد أن محاولة تمزيق شمل الدعوة الإسلامية، وتكثير الجهود والرايات والأسماء من أهم الوسائل في ذلك، ومما يحكى ويذكر أن مستشاراً أمنياً كان وزيراً لإحدى الدول العربية الكبيرة، مستشاراً في دولة أخرى، أنه كان يقترح الاقتراح التالي: ما لم توجد في أي بلد عشرات من الجماعات الإسلامية؛ فإنه لا يمكن مقاومة الأصولية بحال من الأحول.

إذاً الأمر الأول في مواجهة الإسلام عند الغرب هو نوع من الهدنة مع من يسمونهم بالمسلمين المعتدلين، لمقاومة المسلمين الأصوليين، حسب تعبيراتهم.

ثانياً: المزيد من الحصار على العالم الإسلامي؛ حتى لا تصل إليه الأسلحة، ولا الخبرات العلمية، ولا أسرار التقنية؛ ليظل العالم الإسلامي فقيراً في مجال العلوم، مرتبطاً بالغرب محتاجاً إليه، ولهذا قد يبيع الغرب على المسلمين مصانع بأكملها وقواعد بأكملها، حتى الأيدي العاملة تأتي معها، حتى يكون المسلمون عالة على الغرب، لا يعرفون حتى كيف يديرون مصانعهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015