الحروب المدمرة

خامساً: الحروب المدمرة، سواء تلك الحروب التي يدعمها الغرب بين فرقاء من داخل المسلمين، كنموذج الصومال، وقد ثبت أن هناك طائرة جاءت بحجة الإغاثة فسقطت هذه الطائرة -وهي من طائرات الأمم المتحدة- فوجد المسلمون داخل هذه الطائرة أسلحة فتاكة، بعثت بها قوى غربية إلى أحد الفرق المتنازعة في الصومال، فهم يدعمون هذا الطرف وذاك من أجل مزيد من الحروب، ومزيد من الإبادة، ومزيد من الرعب، وكل ذلك تمهيد لفرض وصاية دولية على البلاد الإسلامية.

أما الحرب التي تدار بأيدي نصرانية في البوسنة والهرسك فأمرها واضح، البابا شنودة في جريدة العالم اليوم يقول: إن الحرب في البوسنة ليست حرباً إسلامية أو دينية، بل هي حرب سياسية.

ولا غرابة أن يقول البابا شنودا ذلك، فقد كشفت الصحف وجميع الإذاعات خبراً مفزعاً مفجعاً عظيماً، ما هذا الخبر؟! شركات مصرية تقوم بنقل البترول إلى صربيا متحدية بذلك الحصار الدولي، نعم في الوقت الذي تقوم فيه أو تأذن فيه الحكومة المصرية بإقامة مهرجانات ومؤتمرات شعبية لمناصرة المسلمين في البوسنة والهرسك، تعطي ضوءاً أخضر للشركات لأن تخرق الحظر على صربيا، وتقوم بإرسال شحنات من البترول وغيره إلى جمهورية الصرب التي تقاتل المسلمين، تماماً- كما رسم ريتشارد نكسون في كتابه، وقرأتها عليكم في المجلس السابق: نأذن لأصدقائنا أن يلعنونا علانية، ليتجنبوا الإحراج في مقابل أن يؤيدونا سراً.

وهاهنا تقرير عن أطفال المسلمين في البوسنة، سوف أقرؤه عليكم الآن، وهو تقرير مبكٍ محزن تتفطر منه الأكباد، وتسيل منه العيون، وتحزن له القلوب عنوانه "أطفال الحرب ضحايا الذاكرة" وقد نشر في جريدة الواشنطن بوست، يوم الأحد (28/5/1413هـ) وهو عبارة عن قصص لأطفال مسلمين.

يقول الكاتب: أدمير يتبع أمه حول معسكر اللاجئين وهو يصطف حولها، هناك ملابس قد وصلته من التبرعات، ولكن في كل ليلة هذا الطفل المسلم ذو السنوات الثمان يسافر وحده في الأحلام، ذلك عندما يتذكر هو ومئات الآلاف من الأطفال مثله أحداث الحرب في يوغسلافيا السابقة، على حشية رقيقة مصنوعة من الأغصان في غرفة يشترك فيها هو وثلاثون آخرون معه، يتكلم أدمير في نومه، يصرخ وينادي ويحذر ثم يبكي على والده الذي أطلق الصرب النار عليه مع ابن عمه وعمه في (20/7/92م) عندما يفزع من نومه، لا يستطيع أحد أن ينام في تلك الغرفة.

تقول أمه: لقد رأى أدمير المنازل تحترق والأجساد ملقاة أمام منزلنا، لقد أخذته إلى الطبيب مرتين، ويقول الطبيب: إنه مليء بالخوف، أعتقد بعض الأحيان أنني قد فقدت ابني، لقد صدم الأطفال في هذه الحرب أكثر من غيرهم، وأكثر من أي وقت مضى، حتى في الحرب العالمية الثانية، كثير من الأطفال قد بدت عليه أعراض أزمات نفسية عميقة، هناك أحد الأطفال كان يرى -ولمدة ثلاثة أيام ومن النافذة- جثمان أخيه يتحلل، وقد أصبحت جثته سوداء من الذباب حولها، بينما القذف المتواصل والشديد منع عائلته من أخذه ودفنه، الآن في منطقة اللاجئين خارج منطقة الحرب، هذا الطفل يجلس ساعات طويلة يحدق بعينيه إلى أعلى، ويطرد الذباب الذي يتخيل إليه أنه على وجهه.

كما أن طفلاً آخر وهو زياد، وعمره أربعة عشر سنة كان قد اختبأ خلف حافلة عندما قبض الصرب على عائلته في (25/7) ثم رأى على بعد بضعة أقدام أمه وأخته، وثمانية وعشرين آخرين من أقربائه تطلق عليهم النار ويقتلون، الآن يعيش زياد مع أقربائه في ألمانيا، وفي الليل يتذكر ما حصل في ذلك الوقت، ولماذا لم ينج أحد في تلك الحادثة، ويفكر بذلك كل الوقت ويبكي.

إن كثيراً من القاتلين كانوا معروفين لدى هؤلاء الأطفال، فقد كانوا جيرانهم ومدرسيهم، (أقول: هكذا يجب ألا نثق بالنصارى طرفة عين، وإن جاورونا، وإن جلسوا بين أظهرنا، وإن جاءونا كخبراء، أو كأصدقاء، أو كسفراء، أو بأي صفة، فإنهم هم صانعو الخيام) تقول الدراسات التي أجريت على أطفال العراق بعد حرب الخليج: إن الأزمات النفسية، قد تزيد عبر الوقت، إذا لم يجد الطفل من يفضي إليه بشعور، ولكن في البوسنة أكثر أطفال المخيمات على الطرق، عائلاتهم قد تفرقت.

إن كابوس أدمير يستمر في إيقاظ من في الغرفة، ولكنه لم يعد يثير شفقة أحد، ولكن عندما يستيقظ أدمير يتكلم عن والده وعن ساعته، تقول أمه: إن الصرب أخذوا ساعته في الباص الذي أخذهم إلى الخارج، وهو دائماً حزين لها، أنا أخبره أنني سأشتري له ساعة أخرى، ولكنه لا يريد إلا تلك الساعة؛ لأنها كانت هدية له من والده الذي قتله الصرب.

حالات متزايدة من انتحار الأطفال، فقدان التركيز، فقدان النوم، فإن غالب الأطفال الذين هم من مناطق الحرب قد رأوا أناس قد قطعوا إلى نصفين بفعل مدافع الهاون، وأطفال قد رأوا قذائف تقطع رءوس أمهاتهم، أو تقص رجلي طفل هو بين ذراعي أمه، تقول أسبيكا، وهي جدة لبنت عمرها خمس سنوات: إن الصرب قذفوا قريتنا بالقنابل لثلاثة أيام بلياليها، وقد تحول شعر ابنتها إلى أبيض، وتعتقد أسبيكا أن الصرب سوف يهاجمونهم مرة أخرى في معسكرات اللاجئين، ولذلك فهي ترتدي حذاءها دائماً، لا تخلعها حتى إذا ذهبت لتنام، إن الأطفال لا يستطيعون أن يفهموا ما رأوه بأعينهم، ولذلك فإن تلك الأحداث تدور في أذهانهم في الحالات الطبيعية، يعالج الأحداث، ولكن عندما يشاهد المرء خارج خبرته المعتادة؛ فإنه يعيش في حالة من الأزمة النفسية، كثيراً ما يقتل أحد أفراد العائلة بين عائلته، وكثيراً ما يكون هناك اغتصاب للأطفال وللأمهات أمام أطفالهن، وأطفال يرون رجال يقومون بتقطيع أمهاتهم بزجاج مهشم أمامهم، بعض الأطفال ينامون لثلاث أو أربع ساعات فقط، وبعد أشهر من تلك الأحداث التي مرت على بعضهم ما زال بعضهم يشعر ويتصور رائحة الدم، أو رائحة البنادق، أو بعضهم لا يستطيع التخلص من رؤية اللهب والحرائق في عينيه، إنه بالفعل كفلم مصور لهذه الأحداث في أعينهم طوال الوقت.

هكذا يلقى المسلمون من أعدائهم من الصرب ومن ورائهم من الغرب الذين تقع كل هذه الجرائم على أيديهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015