إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
وحييتم في هذه الروضة من رياض الجنة تتبوءونها بمجلسكم هذا، فإنه {ما مشى عبد إلى مسجد من مساجد الله عز وجل لأداء فريضة من فرائض الله؛ إلا كانت خطواته إحداهما ترفعه درجة، والأخرى تحط عنه خطيئة، ولا تزال الملائكة تدعو له وتستغفر له ما دام في مصلاه ذلك ما لم يؤذ فيه} .
فهذا خيرٌ عظيم، وهو إعادة للدور والمكانة التي كان يتبوؤها المسجد في عهود الإسلام الأولى حين كان المسجد هو حلقة الدرس والجامعة التي تخرج الأجيال، وكان المسجد هو ميدان التدريب على الرماية وفنون القتال، وكان المسجد هو مجلس الشورى الذي يتدبر فيه المسلمون أمورهم، يتشاورون فيما بينهم، ويتباحثون فيما يعرض لهم، ثم مرت بالمسلمين أحقاب وأزمنة عمروا فيها المساجد وشيدوها، ورفعوا فيها المنائر، وفخموا فيها الأبنية، واعتنوا بذلك أتم عناية، ولكنهم أهملوا الحقيقة التي من أجلها وجد المسجد {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:36] .
إن رفعها ليس ببنائها فحسب، ولا بتشييدها فقط، إنما رفعها الحق هو بإقامة ذكر الله تعالى فيها، وجعلها مجلساً للدرس، والبحث، والتعلم، والجدال بالتي هي أحسن، وبإعادة مهمتها، ومكانتها التي أوجدت لها، فالحمد لله تعالى حمداً كثيراً مباركاً فيه أن عادت المساجد اليوم في رقاع العالم الإسلامي إلى ما كانت عليه أول الأمر، فأصبحت المساجد اليوم منطلقاً للدعوة، ومكاناً للدروس وحلق العلم والمحاضرات، وميداناً لنشر الكتاب والشريط، وموضعاً لإعلان الفتاوى العلمية التي يصدرها أهل العلم في بلاد الإسلام، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين وغيرهما من أهل العلم وأئمته.
فالحمد لله على ذلك كثيراً، والحمد لله أن رأينا بأعيننا كيف عمرت المساجد بحلق تحفيظ القرآن الكريم، وحلق تحفيظ السنة النبوية، ودروس العلم، ومحاضراته، وغير ذلك مما هو نافع مفيد، ثم شكراً لله تعالى شكراً، وحمداً له حمداً، أن وفق مكاتب الدعوة في سائر البلاد -في هذا البلد وفي غيره- إلى المساهمة في هذا الإحياء الإسلامي المنشود لدور المسجد ورسالته، وهذا يجعلنا حريصين أشد الحرص على دعم مكاتب الدعوة بقدر المستطاع، والوقوف إلى جانبها، ومساعدتها في أداء مهمتها ورسالتها بكل غالٍ ونفيس.
ومن ذلك دعمها الدعم المادي، فإن مكاتب الدعوة على رغم الدور العظيم التي تقوم به في هذه البلاد، إلا أنها تفتقر إلى الدعم المادي الذي يمكنها من أداء رسالتها، وهي لا تستطيع أن تقوم بهذه المهمة إلا بأن تمدوا -أنتم أيها الإخوة الحاضرون، وأيها الإخوة المستمعون- أن تمدوا أيديكم إليها بالعون والمساعدة المادية والمعنوية.
وإنني أقول لإخوتي الأحبة الكرام: حقٌ علينا جميعاً أن نقف صفاً واحداً، وكلمةً واحدة، ويداً واحدة في سبيل نصرة الحق والدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف:14] .
فـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} [الصف:14] انصروا الله تعالى في أنفسكم، وفي أموالكم، وفي بيوتكم، وفي مساجدكم، وفي مسئولياتكم، وفيما ولاكم الله -تعالى- واسترعاكم عليه، يخلف لكم الله تعالى بذلك أجراً وذخراً، وهو المطلع على ذلك: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39] .