أما الصورة الثانية للانهيار: وهي التي غالباً ما يرسمها السياسيون الغرب فهي لا تعدو أن تكون نوعاً من انكفاء العالم الغربي على نفسه، وانكماشه، وانشغاله بهمومه الخاصة، ومشاكله الداخلية، وكف يده عن العالم الخارجي، وهذا الأمر أصبح يمثل تياراً في السياسة الأمريكية حيث يطالب بعدم التدخل في الدول الأخرى، والانهماك والانشغال بالهم الداخلي، وأن علاقة أمريكا بالعالم، وما يتطلبه ذلك من تدخل، وإرسال القوات، ودفع المساعدات إلى غير ذلك، أن هذا من أهم أسباب الانهيار الاقتصادي الذي يهددها، ولهذا عليها أن تقلل من حجم تدخلها العالمي.
حتى في بعض الصور الديمقراطية الغربية يُخشى أن تتحول أيضاً إلى خطر يهدد أمريكا في نظر السياسيين، فإن مستشار الأمن القومي السابق واسمه بريجنسكي ألف كتاباً اسمه: (خارج نطاق السيطرة) وهذا الكتاب يقول فيه: إن العالم الذي جاء بعد الشيوعية عالم خطر، عالم قلق، ومتوتر، ويجب أن ندرك المخاطر الناجمة عن الديمقراطية الغربية، حيث سيوجد في أمريكا نوع من الإباحية المطلقة، كل شيء مسموح، وكل شيء مباح، وبالتالي سوف تتعرض مصالح الأفراد للخطر، وسوف يوجد هناك قدر كبير من الأنانية بين الأفراد توجد انشطاراً في المجتمع وخطراً عظيماً، إنه عالم -كما يقول بريجنسكي - يعيش حالة غليان بعد انهيار الشيوعية.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الرجل وهو بريجنسكي أنه كان قد توقع سقوط الشيوعية عام سبع وثمانين للميلاد-تقريباً- في كتاب سماه: السقوط العظيم توقع فيه سقوط الشيوعية كما حدث فعلاً.
وهذا أسلوب أو نموذج لهذا الأمر، وينبغي أن أشير في المجال إلى أن هذا الأمر يشمل رجال الاقتصاد الغربي، فإن الاقتصاد الغربي الأمريكي يعيش ما يسمونه بمرحلة النكبة، نكبة الاقتصادي الأمريكي.
وعلى سبيل المثال هذا كتاب جديد ومهم اسمه: الإفلاس عام خمس وتسعين، ومؤلف الكتاب باحث ومؤرخ أمريكي اسمه هاوإي كيكي، وهذا الكتاب الذي نشرته دار أمريكية -دار ليكل باور- يرسم مسلسلاً متلاحقاً للانهيارات الأمريكية التي سببها الاقتصاد المثقل بالديون على الخزينة الأمريكية.
والغريب أن صحيفة: نيويورك تايمز اعتبرت هذا الكتاب ضمن قائمة الكتب الأكثر رواجاً وانتشاراً في العالم.