حين ذاك كتب فيلسوف ألماني اسمه سبيكر، كتب كتاباً عن تدهور الحضارة الغربية، وتوقع مستقبلاً مظلماً للغرب، وللعالم كله من وراء الغرب، ثم جاء العالم الإنجليزي جورج أورويل، وكتب كتاباً اسمه: العالم عام أربع وثمانين، وكان كاتباً متشائماً، وتوقع أوضاعاً سيئة، لكن الواقع كان أكثر تشاؤماً منه!! فإن الأوضاع التي مر بها العالم عام أربع وثمانين وما بعده، كانت أكثر سوءاً وسوداوية وقتامة، مما تصوره وظنه ذلك العالم الإنجليزي.
ثم كتب الفيلسوف الآخر أيضاً هولن ويلتن، وهو الآخر إنجليزي، كتب عن سقوط الحضارة الغربية وذلك ضمن منظومة متسلسلة من البحوث والكتب والدراسات القديمة، التي كانت تتحدث عن سقوط وشيك للعالم الغربي.
وهناك علماء الفلك الذين يكتبون نهايات مفزعة عن الكون، بسبب زيادة طاقة الشمس وحرارتها -مثلاً- ووجود ثقب ضخم لطبقة عليا، يسمونها: طبقة الأوزون، ويقولون: إن هذا الثقب إذا ظل يكبر بالمعدلات التي تحدث الآن فإنه سوف يترتب عليه أخطار تهدد الحياة البشرية كلها.
مثلاً: زحف الماء على الكرة الأرضية، وتغطية مدن بأكملها، وغمرها بالمياه، وابتلاع هذه المدن بسكانها، وإمكانياتها، تلوث البيئة والجو، وانتشار الأمراض، ومنها: سرطان الجلد، إلى أشياء أخرى مترتبة على هذا الخطر الذي يسمى ثقب الأوزون.
وعلماء الطب -مثلاً- يتحدثون أيضاً بنفس النظرة، ويتكلمون عن الأخطار والأمراض التي سوف تحدث للبشرية من جراء هذا الثقب الذي أصبح مرئياً وملاحظاً الآن، وهو يتزايد بسبب كثافة الاستهلاك التصنيعي خاصة في الدول الغربية.
إضافة إلى ذلك فعلماء الطب يدقون نواقيس الخطر من الأمراض الذي أصبحت تفتك بالبشرية، فلم يعد مرض السرطان هو أخطرها، بل أصبح مرض الإيدز الذي ضحاياه يعدون بعشرات الملايين، وحاملو الجراثيم مئات الملايين، ويتوقع أن تزداد النسبة بكثرة في السنوات القادمة، ويقف الطب عاجزاً عن ذلك، إن هذا يهدد السلالات البشرية، ويهدد الحياة على وجه الأرض.
أما علماء البيئة فهم يرسمون صورة مكبرة لما حدث في المعمل النووي في الاتحاد السوفيتي، معمل يسمونه "تشر نوبل" وقد تسرب من هذا المعمل بعض الإشعاعات النووية، فدمرت الحياة هناك، وأثرت، وقتلت، وغيرت أشياء كثيرة، وانتقلت آثارها عبر مأكولات وفواكه وخضروات وأشياء إلى العالم العربي والإسلامي بل إلى العالم كله.
فهم يقولون: ماذا لو حدث زلزال -مثلاً- في أحد المواقع التي تقام عليها مفاعلات أو معامل نووية، وترتب على ذلك تسرب خطير لهذه المواد والإشعاعات القاتلة للناس؟ بل ماذا لو حصلت حرب نووية أو حرب جرثومية بين دولتين من دول العالم، لامتد أثر ذلك وضرره إلى مواقع كثيرة، بل ماذا لو تملكت بعض ما يسمونها بالجماعات الإرهابية، أو عصابات المافيا، أو المجموعات التخريبية في العالم، وبطبيعة الحال أنا لا أقصد بهذا المسلمين إنما يُقصد بشكل عام تلك الجماعات التي تتاجر بكل شيء في الشرق والغرب، وهي جماعات إرهابية؛ همهما تحصيل المال والثراء والكسب، ماذا لو تملكت بعض هذه العصابات السلاح النووي، فضلاً عن أن المصانع والنفايات والإشعاعات النووية التي تدفن -غالباً- في بلاد المسلمين، أو تصدر بصورة أو بأخرى، حتى إن آخر ذلك أن الصومال وضع في مياهها بعض النفايات النووية أن هذا أيضاً يهدد الحياة البشرية على وجه الأرض.
إذاً: هؤلاء توقعوا نهاية حادة، وحاسمة للحياة البشرية، وأن سقوط الحضارة لا يعني فقط تأخراً أو تراجعاً، بقدر ما يعني تهديداً للحياة البشرية على وجه الأرض، أو على الأقل تهديداً للمنجزات الحضارية التي يتمتع بها الإنسان في العالم كله.
وهؤلاء العلماء يتفقون على أن العالم يسير إلى كارثة محققة لا مهرب منها، يقول كاتب روماني شهير: إن محاولة إنقاذ العالم حينئذ هي مثل محاولة الفئران أن تهرب من سفينة على وشك الغرق، فهي تهرب من السفينة لتغرق في البحر، فهي بين حرق أو غرق.
فهذه التوقعات أو الظنون مع أنها الآن لا تؤخذ بعين الجدية، إلا أنه ينظر إليها على أنها من الطرائف العلمية، ومع ذلك يجب ونحن نتحدث عنها أن نتنبه إلى أربع أو خمس نقاط: أولاً: هذه الأشياء هي احتمالات قائمة وواردة، وليست أموراً في دائرة المستحيل وغير الممكن، والمعتاد أن مراكز التحليل الغربية تضع لكل احتمال حساباً، فينبغي أن تُوضع هذه الأشياء في الاعتبار، وألا تستبعد استبعاداً كلياً، أو نهائياً.
ثانياً: من المعلوم أن ثمة حضارات كثيرة سادت ثم بادت، وقد ذكر الله تعالى لنا في القرآن الكريم أخبار أمم كثيرة مكن الله تعالى لها، وبوّأها في الأرض، ثم حكم عليها بالهلاك والفناء، فلم يغن عنهم بأسهم من عذاب الله تعالى شيئاً، قال الله تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ * وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} [الحج:42-48] .
وتأمل: أولاً: كأين: قرى كثيرة كانت ممكنة، وذات حضارة، وآبار، وقصور مشيدة، وقوة، وعروش، ثم خوت على عروشها، وعطلت آبارها وقصورها المشيدة.
ثانياً: هذا الأمر عبرة للذين يعقلون، ويدركون سنن الله تعالى في عباده أفراداً وأمماً وجماعات، ولا يغفل عن هذه العبر إلا أولئك العميان الذين ليس لهم قلوب يعقلون بها، ثم هم يستعجلوننا بالعذاب، فيقولون: متى ذلك؟ هاهو العالم الغربي مُمكن منذ عشرات السنين، وأنتم تقولون سقط الغرب، ونحن لا نرى الغرب إلا يزداد قوة، ورسوخاً، وتمكناً، وتغلغلاً، وسيطرة على العالم، وبعضهم يقول: وعلى الطبيعة، فأين أقوالكم، وزعومكم التي ملأتم بها آذاننا على حين أن الغرب لا يزال يتمكن يوماً فيوماً؟ قال الله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] ثم هذا التمكين الذين يعيشونه هو مرحلة الإملاء والإمهال: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:183] {أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} [الحج:48] فأي ظلم أعظم من الظلم الذي يعيشه الغرب اليوم، وهو يكيل بمكيالين، ويزن بميزانين في قضايا كثيرة جداً معلومة.
النقطة الثالثة: ثمة نصوص شرعية، وأحاديث نبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم توحي وتدل على أن العالم سوف يعود إلى العصور البدائية في آخر الزمان، وسوف يستعمل السلاح الأبيض، فمثلاً: في صحيح مسلم لما تكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الملاحم الكبرى التي تقع قرب الساعة، وقبل ظهور المسيح الدجال، ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الفرسان الذين يفتحون القسطنطينية، ويعلقون سيوفهم على شجر الزيتون، إذاً هم يحملون السيوف، وقال: {إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم} .
إذاً: فهم يقاتلون -حسب ظاهر النص النبوي- عبر الخيول، ويحملون السلاح الأبيض، يحملون السيوف والخناجر ونحوها ويقاتلون بها، وهذا قد يدل -والله تعالى أعلم- على أن ما توقعه العلماء والخبراء من نكسة للحضارة الغربية، أنه أمر وارد وواقع، لكن متى؟ الله تعالى أعلم، بعد عشر سنين، أو مائة سنة، أو مائتي سنة، أو أقل أو أكثر، فإن هذا مما لا يطيق له البشر تحديداً أو ضبطاً، بل هو غيب من غيب الله تعالى جل وعلا.
وبعض المحللين والدارسين للنصوص النبوية، قالوا: إن ما أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام لا يلزم أن يكون مقصوداً به السيف ذاته، أو الخيل نفسه، بل قد يكون هذا تعبيراً عن السلاح الذي يستعملون أياً كان، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام عبر باللغة التي يفهمها المخاطبون يومئذ.
الأمر الرابع: أن المسلمين، بل وغير المسلمين حتى من أهل الديانات السماوية يؤمنون بالساعة وأنها ستقع، والقيامة أنها ستحق فهي الصاخة، والحاقة، والقارعة التي أخبر الله تعالى عنها، وهي التي سوف تدمر الحياة الدنيوية ونظامها المعتاد، وتنقل الناس إلى العالم الأخروي، عالم الجزاء والحساب.
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الإنفطار:1-4] ذلك هو يوم الجزاء والحساب: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] وقبل ذلك الساعة التي هي تبليغ الحياة الدنيوية والقضاء على البشر وموتهم عن آخرهم، حتى ملك الموت يموت.
خامساً: أمريكا بالذات برزت بسرعة، فبروزها كقوة عالمية وقيادة دولية كان بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال تقريباً خمسين سنة تبوأت هذا المنصب العظيم الكبير كشرطي للعالم اليوم، والغرب ربما احتمى بها واستعان بها خوفاً وذعراً من الشيوعية التي كانت تهدده، بل سيطرت على جزء كبير من أوروبا الشرقية على ما هو معروف.
ولذلك العالم الغربي يريد الآن أن يخلع نير السيطرة الأمريكية عنه، ويتخلص من هيمنتها عليه، ولهذا يوجد تناقض صارخ وواضح بين أمريكا وأوروبا الموحدة، وبين أمريكا ودول أوروبا كلاً على حدة كبريطانيا، أو ألمانيا، أو فرنسا، وبين أمريكا والصين، وبين أمريكا واليابان، وبينها وبين دول أخرى.
إذاً: أمريكا برزت بسرعة، ولهذا لا غرابة أن يكون انهيارها سريعاً أيضاً، كما تتوقع بعض الدراسات، وبعض التحاليل، وسوف أشير إلى شيء منه