فهذا الكتاب يحدد بالضبط عام خمس وتسعين ميلادية، يعني: بعد أقل من سنتين أنه عام السقوط والانهيار الأمريكي، ويحدد أن الانهيار سوف يتم من خلال الاقتصاد الأمريكي المتردي، وهناك دراسة اقتصادية رصينة جداً، بل دراسات اطلعت عليها، ولا يسعفني الوقت أن أعرضها لكم، لكن على سبيل المثال، تقول إحدى هذه الدراسات وهي دراسة علمية دقيقة، تقول: إن الاقتصاد الأمريكي الآن -الاقتصاد الحكومي- محمل بأربعة ترليونات من الديون، وهو رقم خيالي لا يمكن للعقل أن يتصوره، وأن هذا الرقم سوف يزداد إلى نهاية العقد الحالي، أي: حوالي ستة سنوات سوف يزداد إلى حوالي ثلاثة عشر ونصف ترليون دولار أمريكي.
فهذا الرقم الخطير -يقول- سوف يجعل أمريكا أمام عدة خيارات لا مخلص لها منها، هذه الخيارات أولها خفض المرتبات للموظفين بنسبة ربما قد تصل إلى أكثر من (30%) للموظف العادي، وبالمقابل زيادة الضرائب عليهم إلى نحو (50%) وماذا تتصور من رجل خُفض مرتبه بنسبة (30%) وزيدت الضريبة (50%) هذا أمر لا يحتمل ولا يطاق، والذين يعرفون العقلية والنفسية الغربية يدركون أن هذا الأمر لا يمكن أن يعمله رئيس مهما كان في الظروف العادية.
وهذا الاحتمال لا يمكن أن يعملوه من أجل تطوير والحفاظ على اقتصادهم من الانهيار.
الحل الثاني هو: أن يعلن العجز عن سداد الديون، وهذا معناه إعلان الإفلاس وهو لا يعني سقوط الاقتصاد الأمريكي فقط، بل يعني سقوط الدولار الأمريكي، وسقوط اقتصاد جميع الدول التي ربطت نفسها بالدولار، ومع الأسف الدول العربية هي جزء من هذا العالم الذي ربط اقتصاده بالدولار الأمريكي.
الحل الثالث، وهو المتوقع: أن تقوم الحكومة هناك بما يسمونه بتسييل الدولار، وهو يعني طباعة كميات هائلة من الأوراق النقدية ليس لها رصيد يقابلها، لمجرد إغراق الأسواق بها وسد الحاجة وهذا الأمر سوف يؤدي إلى انهيار الاقتصاد فعلاً، بمعنى أن الدولار سيفقد قيمته بالتدريج، حتى إنه في النهاية لا يساوي إلا قيمة الورقة التي طبع عليها فقط، وهذا أيضاً هو انهيار كالذي قبله ولكنه بدلاً من أن يكون انهياراً مفاجئاً سوف يكون انهياراً بطيئاً أو تدريجياً.
فهذه الدراسات ليست مجرد أوهام، أو خيالات، إنها دراسات علمية من مراكز متخصصة غربية، وشرقية، تدق نواقيس الخطر، ولذلك فإن أمريكا نفسها بدأت تشن حرباً اقتصادية ضد اليابان مثلاً، وضد أوروبا، وضد الصين، وهي حرب مكشوفة وأخبارها تعلن يومياً، وأي شخص متابع للصحف الاقتصادية أو الملاحق الاقتصادية في الصحف يدرك ذلك جيداً.
وعلى سبيل المثال: فإنك تجد أن أمريكا تضغط على اليابان من أجل أن تفتح أسواقها للمنتجات الأمريكية، وبالمقابل تحاول أن تُحد من وجود المنتجات اليابانية في الأسواق الأمريكية، وكذلك تضغط على بعض الدول من أجل توقيع معاهدات للتبادل التجاري سواء مع فرنسا أم مع أوروبا أم غيرها تكون في النهاية لمصلحة أمريكا.
وكذلك تنافسها على الأسواق الآسيوية، وهي الأسواق الرئيسية في العالم اليوم، سواء في ذلك أسواق العالم الإسلامي أم بقية الدول الآسيوية المعروفة، والعجيب أنه في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي والغربي من التضخم، والتراجع في معدلات النمو، فإنك تجد أن الدول الأخرى كالصين -مثلاً- واليابان، بل والدول النامية كماليزيا، وكوريا، وغيرها أن معدلات النمو فيها ترتفع باضطراد، أحياناً بنسبة (7%) وأحياناً بأكثر من هذا، وهذا أمر تحدث عنه بعض الخبراء بأنه أمر يشبه المعجزة -في ظنهم- لأنه ليس له تفسير واضح مكشوف.
ويتوقع أنه في ظل التراجع والتردي الاقتصادي الأمريكي، أن أمريكا ستجد نفسها مضطرة إلى التدخل المباشر لحماية اقتصادها، ومصالحها، ونفطها، وصناعاتها، سواء كان ذلك في اليابان -كما توقعت إحدى الدراسات- أم في مناطق أخرى من العالم كالخليج العربي أم غيرها.
إذاً: هذا لون من الدراسات السياسية والاقتصادية، يصور انحساراً للوجود الأمريكي والغربي بشكل عام، على نمط ما حدث لبريطانيا، فقد كانت بريطانيا يوماً من الأيام امبراطورية لا تغيب عنها الشمس -كما يقال- ثم اضطرت إلى التخلي عن مستعمراتها، ومحمياتها، وعادت أدراجها إلى الوراء إلى بلادها، ولكنها ظلت محتفظة بتقدمها العلمي والعسكري، وتفوقها ومركزها الدولي، على ما هو معروف الآن.
وهذا بحد ذاته كافٍ، فإنه سوف يعطي المسلمين فرصة أن يرتبوا أوراقهم، وأن يعرفوا مصالحهم، وأن يتعاملوا مع من يكون التعامل معه أصلح لهم وأضمن لنجاحهم وحفظ اقتصادهم.