أما الأسلوب الثالث فهو: الاتهام بالتطرف والإرهاب، والسعي إلى تحطيم المكتسبات الوطنية والسياسية كما يقال، وضرب اقتصاد البلاد، والسياحة، والمكاسب السياسية، وضرب الاستقلال الوطني.
إن جميع الصحف المصرية اليوم إلا ما ندر، وجميع الصحف التونسية، ومعظم الصحف الكويتية، تضرب على هذا الوتر، وتصور دعاة الإسلام وشباب الجماعات الإسلامية، بل وشباب الدعوة -ولو لم يكونوا من الجماعات- على أنهم متوحشون، وليست لديهم قدرة على الحوار، وعلى أنهم متعصبون، وأصحاب انفعالات وهياج عاطفي وعصبي، وأنهم لا يستطيعون الحوار مع الأطراف الأخرى، إلا من منطلق أحادي، أي: أنهم يؤمنون بأن آراءهم حقٌ لا يقبل الجدل، وأن آراء غيرهم باطل لا يستحق النظر أو التأمل، وأن خصومهم كفار أو فساق، ويكفرون الناس، وأنهم يمارسون أساليب العنف، إلى غير ذلك.
إن مثل هذه الأساليب لا تعبر حقيقة عن دعاة الإسلام، فإن دعاة الإسلام يؤمنون بالحوار، وكيف لا يؤمنون به والله تعالى يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] .
وكيف لا يؤمنون به والله تعالى يقول: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا منهم} [العنكبوت:46] .
لكن الذي لا يؤمن بالحوار هو الذي يمارس أسلوب الإسقاط، فهل حاوروا هم شباب الإسلام، ورجال الدعوة؟ هل حاوروهم بالحجة والبرهان، أم حاوروهم بالسب والشتم والتجريح والاتهام، وممارسة أسلوب الإسقاط على هؤلاء والتهرب؟ فمثلاً تجد منهم من يَتهم ثم يَنفي، يَرمي ثم يَهرب، وأقرب مثال: ذلك الكاتب في جريدة الندوة، لقد كتب مقالاً ينادي به ويطالب بضرب المتطرفين والقضاء عليهم، فلما رد عليهم صاحب الفضيلة الشيخ سفر الحوالي، كتب هو في مقال بعدها يقول: إنني لم أكن أقصد أهل هذا البلد، لكنني أقصد المتطرفين في مصر، وفي تونس، والمتطرفين في بلاد أخرى في الجزائر وغيرها، ثم إذا به بعد ذلك بعددين يقول بالحرف الواحد: سفر الحوالي وجماعته من المتطرفين، إذاً لقد أبان عما يخبؤه قلبه، وكشف عن تناقضه، وحدد حقيقة ما يدعو إليه، وهو أنه يدعو -في الوقت الذي ينادي به بالوحدة الوطنية هو وأمثاله- إلا أنهم يدعون إلى ضرب الإسلام والصحوة، وضرب المسلمين والدعاة، وهو وغيره يعرفون أن ضرب الإسلام في هذه البلاد يعني القضاء على كل خيرٍ فيها، فإن هذه البلاد لا وجود لها إلا بالإسلام، وما عرفت استقراراً -في يوم من الأيام- ولا أمناً في غير شريعة الله عز وجل.
إن هؤلاء لا يترددون موغلون في الكذب والتزوير، والاستهانة بعقلية الجماهير والقراء، فهم يفترضون أن القراء مغفلون، وسذج، وسريعوا النسيان، فلا مانع أن يناقض هؤلاء اليوم ما قالوه بالأمس، ولا مانع أن يستشهدوا بالكلام لنقيض ما هو له، ولا مانع أن يضربوا الأمور بعضها ببعض، ومن أعجب العجب أن الكاتب السيئ الذكر إياه، ذكر بيان سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز في الرد على المتطرفين، مع أن بيان الشيخ -حفظه الله تعالى- إنما كان للدفاع عن دعاة الإسلام في هذا البلد، سواء الشيخ سفر الحوالي أو غيره.
ولا مانع عند هؤلاء من اتهام الأطراف الأخرى بأنها تعيش حالة من الهستيريا العقلية، وهي الضلالة أو الجنون كما قيل بالنسبة للرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو أنهم يعانون أزمات نفسية، فهم يلقون هذا على دعاة الإسلام، أو أنهم يعانون من ظروف اقتصادية، ولذلك أحد الكاركاتيرات التي اطلعت عليها اليوم في بعض الصحف المصرية، أن زعيم جماعة -ملتحٍ وقصير الثوب وعليه عمامة- يعطي واحداً صرة من الذهب ويقول له: خذ سمكة في يدك ولا عشر في البحر.
أي: بدلاً من أن تذهب تبحث عن وظيفة فلا تجد، تعال وكن متطرفاً، وأعف لحيتك وصلِّ في المسجد، وهذه الفلوس، أي: أنهم يغرون الناس بالمال، مع أننا نعرف أن هؤلاء مساكين ليس عندهم أموال، من الذي يعطيهم المال؟ إسرائيل تعطيهم، أو أمريكا، دول الخليج، أو غيرها؟! نحن نعرف أن العالم كله يحاربهم، والصحف كلها تسميهم المتطرفين والإرهابيين، ولا تسمح بصوت حقٍ يدافع عنهم، فهم غرباء في هذا الوقت وفي هذا الزمن، ومع ذلك يقول: سمكة في يدك ولا عشر في البحر.
وكذلك قرأت في جريدة أخرى: أن المتدينات من الفنانات اللآتي اعتزلن الفن، وتبن إلى الله تعالى، والتزمن الحجاب الشرعي؛ أنهن أخذن مالاً من بعض الجهات مقابل الالتزام بالحجاب، أنتم لا تأخذون أموالاً، ولا تقبضون مقابل، وفرج فودة -مثلاً- الذي كان يكتب للدولة لم يقبض مالاً ولا مرتباً!! أما هؤلاء المساكين الذين لا يجد أحدهم لقمة العيش، ويترك من غداءه لعشائه ومن عشائه لغدائه، هؤلاء يقبضون من الشرق ومن الغرب.
ولا مانع أن يوصف هؤلاء بأنهم يعانون من كبت جنسي، وقد قرأت اليوم في إحدى الكاريكاتيرات أيضاً أن أحد شباب الجماعات الإسلامية صوره في صورة ساخرة، يحاول أن يلحق ببنت، فلما أعرضت عنه وتركته قال لها: أنا أحبك لكن إذا تخليت عني فسوف أشيع في الحي أن الحب حرام! لاحظ كيف يصورون الأمور على غير وجهها! أما هم أصحاب الصحف، والإعلام والسلطة، وأصحاب النفوذ؛ فهم العقلاء، وهم الأسوياء المحترمون النظيفون النزيهون، ما سرقوا أقوات الشعب، ولا سرقوا المساعدات الخارجية، ولا اضطهدوا الناس، ولا أودعوهم في غياهب السجون، ولا تعاملوا مع المخابرات الأجنبية، ولا اتصلوا بالدول الخارجية، ولا وصلوا إلى الحكم بقوة الحديد والنار، ولا صادروا رغبة الشعب، ولا سخروا كل إمكانيات الدولة لتحقيق مآربهم ومطالبهم.
إن الألفاظ والألقاب التي يطلقونها اليوم على دعاة الإسلام؛ إنه لا يطلقها إلا من سفه نفسه، أفهذه هي أهوات الحوار لديكم الذي تدعون إليه وتنادون به؟ إن الذي يصدر في صحفنا المحلية اليوم كما نوهت سابقاً بمثال جريدة الندوة، وأنوه الآن بمثال جريدة الجزيرة فيما كتبه حماد السالمي في أكثر من مرة، عن سب المتدينين وإلصاق تهم التطرف بهم، وأنهم ليس لهم نصيب لا من الدين ولا من العروبة!! إن هذا هو طليعة الغثاء الخارجي الذي بدأ يغزونا في الداخل، وأخشى أن يكون وراء الأكمة ما وراءها، فيجب أن يتحرك الغيورون على الدين هنا وفي كل مكان، ويجب أن يُسعى لوقف هؤلاء عند حدهم، وجعل هؤلاء المتكلمين عبرة لغيرهم.
إنه إن مرت هذه الكلمات بسلام؛ فسوف نرى سيلاً من التهجم على المتدين في صحفنا، وإنا نعلم أن منكم سماعون لهم، وأنَّ المنافقين متواجدون في كل مجتمع وفي كل مؤسسة، في الإعلام وفي غيره، وهم إن أتيح لهم المجال؛ سوف يعبرون عن أحقادهم ومرض قلوبهم في النيل من المتدينين وسبهم، والنيل من الدين ذاته.
إنه لا مانع أبداً من المطالبة بمحاكمة هؤلاء شرعاً، واللقاء معهم، ومناظرتهم ومراسلتهم، والرد عليهم، وإخراجهم في بيوتهم وفي مكاتبهم، واضطرارهم إلى أن يتوبوا إلى الله تعالى، علانية، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا؛ ليرتدع بهم غيرهم ويتوقف من كان يضمر في نفسه شراً.