اتهامهم بالعمالة لدول أجنبية

وهذا يعتبر طعناً في الولاء والوطنية، والعجيب أن تلك الجهات التي تتهمهم بالولاء لدولٍ أجنبية؛ هي نفسها ذات ارتباطات صريحة بدولٍ معادية، فهي على صلة بإسرائيل وتعاونٍ وطيد معها، ولها علاقات خفية ومعلنة مع أمريكا، ومع مخابراتها، وتصل إلى حد الولاء والتبعية المطلقة لها، بل وما نشر من أرواق المخابرات السوفيتية والأمريكية؛ يكشف تورط شخصيات كبيرة وشهيرة في مثل ذلك، فالأمر كما يقول المثل: رمتني بدائها وانسلت.

واليوم أصبحت إيران والسودان محط الرحال، فكل من دعا إلى الله، أو طالب بالحكم بالشريعة، أو علل أو تعلل، أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر، فإن أسهل ما يمكن أن يقال في شأنه: إنه مرتبطٌ بإيران ومرتبطٌ بالسودان، وإيران والسودان منطلق للتخريب والإرهاب والمعسكرات الإرهابية، ويجب أن ندرك أنه كما قيل: من فمك ندينك.

كنت أتعجب كيف تنشر جريدة الحياة كثيراً من الأخبار المزورة الكاذبة! فإذا بها تصرح قبل أربعة أيام في ردٍ على أحد المراسلين أو أحد القراء، تقول له: إن معظم الأخبار السياسية كاذبة، سواءً نشرتها صحيفة الحياة أو غيرها من الصحف، ولو لم نقتصر إلا على الأخبار الصحيحة لأصدرنا لك ورقاً أبيض أو رسمنا فيها صوراً للقطط والكلاب.

إذاً يجب أن ندرك أن مثل هذه الدعايات والأقوال المغرضة؛ لا تعتمد على حقٍ ولا على صدق، وقد عجبت أكثر حينما قرأت في خضراء الدمن -أيضاً- خبراً يقول: إن الأردن كانت قد اتهمت اثنين من النواب بتهمٍ، كالإرهاب وحيازة الأسلحة، وغيرها من التهم التي يعتقدون أنها تؤثر في مشاعر الجماهير وتهز قلوبهم وعقولهم، ونشروا وقالوا: إن هناك شاهداً اعترف بأنه هو الوسيط الذي نقل الأموال من إيران إلى هذين النائبين، وإذا بهذا الشاهد نفسه يرسل إلى جريدة خضراء الدمن رسالة يقول فيها: إنني كاذبٌ في هذا الإدلاء الذي قلته، وهذه الشهادة التي قدمتها، وإنما قمت بذلك تحت وطأة الترغيب والترهيب، وقد نشر هذا في قصاصة في الجريدة، وهي موجودة عندي، إذاً لا ثقة بأجهزة الأمن، ولا ثقة بأجهزة القضاء ولا أجهزة الإعلام؛ إذا كانت تتحدث عمن تسميهم بالإسلاميين أو الأصوليين أو المتطرفين أو غير ذلك من العبارات، إذا تكلمت عن رجال الإسلام فلا ثقة بها مطلقاً، والثقة بها في غير ذلك منزوعة.

إن مثل هذه الأشياء قد توجد عند الناس، وقد تصور لهم أنكم أنتم أيها الناس بسطاء ومغفلون، وأنكم لا تعرفون بواطن الأمور، فتحملون الأمور على ظواهرها، وتصور أن هؤلاء دعاة، وأنهم مخلصون، وأن قصدهم الخير، وقصدهم الدعوة، أما الحقيقة الخفية الباطنة فهي أن هؤلاء مرتبطون بإيران، أو مرتبطون بالسودان أو مرتبطون بجهات أخرى، والخفايا فيها فضائح في هؤلاء المتسترين بالدين، إنهم يخادعون الجماهير بمثل هذا الكلام حتى يقول الإنسان والله يمكن أنني مسكين مخدوع آخذ الأمور بالظاهر، والأمور الخفية لا أعرف عنها شيئاً، على كل حال هما خصمان، أحدهما يملك أجهزة الإسلام ويسلطها على عدوه، ويوجهها كيف يريد، والآخر لا يملك حتى مجرد التصريح لجريدة، وربما يلوذ بالصمت حتى في بعض مجالسه الخاصة وما كل ما يعلم يقال.

وفي مجلة مهاجرة أيضاً الوطن العربي قدمت تحقيق العلاقات الإسلامية بأمريكا فما هي علاقة الجماعات الإسلامية بأمريكا؟ قالت: عمر عبد الرحمن وهو زعيم الجماعة الإسلامية أو تنظيم الجهاد في مصر، أنه مقيم في أمريكا، وقالت: إن حسن الترابي وهو زعيم الجبهة الإسلامية في السودان إنه ذهب وزار أمريكا وكندا، إذاً مجرد زيارة لأمريكا، أو مجرد إقامة فيها تعتبر عند هؤلاء علاقة بالمخابرات الأمريكية وتعاون مع أمريكا.

أما الذين يصدرون صحفاً بكاملها في بلاد الغرب، والذين يقيمون علاقات بأكملها مع أنظمة، ويقيمون بعلاقات مع أجهزة مخابرات عربية وغربية؛ فهؤلاء أطهر من السحاب في سمائها، ويجب عليك أن تؤمن بالمتناقضات في هذا الزمن.

ومثل ذلك: الاتهام بالارتباط الأجنبي، ولو لم يكن بالحكومات، مثل الارتباط بأحزاب أو جماعات أو قوى خفية أو قوى ظاهرة، فإن مجرد الدعوى لا تصعب على أحد، ولكن المطلوب هو الوثائق والأدلة، كما قال الله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] .

إن من الممكن أن يتهم المروجون لمثل هذه الأقاويل وهذه الأكاذيب، وهذه الإشاعات الباطلة، من الممكن أن يتهموا بأنهم عملاء لـ (C.

I.

صلى الله عليه وسلم) مثلاً، أو للموساد، أو حتى لإحدى القوى العظمى، فما هو المانع من ذلك؟ وما هو الدليل الذين يدفعون به عن أنفسهم؟ إن الله تعالى قال: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] .

وأيضاً لا يكفي أن تأتي لي ببرهان من إنسان مكبل في غياهب السجون، يعاني من ضغوطٍ نفسية وعائلية واقتصادية، وتنتزع منه بالقوة إقراراً ثم توزعه على الناس، أو تشهر به في وجهه، دعه حراً طليقاً وعلى الملأ وفي الهواء الطلق، تقف أنت وإياه على قدم المساواة دون أن تتميز أنت بمزية، ليس لك مزية إعلامية، ولا مكانة خاصة، ولا تسلط خاص، ولا وسائل ولا إغراءات، وحينئذٍ يكون الكلام منكما مقبولاً.

أما أن يكون القاضي يملك الوسائل كلها، ويرمي الخصم بكل نقيصة، ولا يسمح له بالدفاع عن نفسه، فإن هذا أكبر دليل على أن كل المسألة لا تعدو أن تكون كذباً في كذب، ولعباً على السذج والمغفلين، ويجب أن لا نكون سذجاً ولا مغفلين.

إن مسألة الاتهام بالانتماء اليوم أو الانتساب، أو الولاء لدولة أو لجماعة؛ أصبح أمراً رائجاً تروجه أجهزة الأمن في بلاد عدة للتأثير على الناس، وتشويه صور الدعاة، والحط من قدرهم أو التشكيك في مقاصدهم، وأن دوافعهم ليست غيرة للدين ولا للحرمات، ولا غضباً لله ورسوله، وإنما بدوافع خارجية وانتماءات أجنبية، وما أشبه ذلك، فعلى المسلمين أن يكونوا على مستوى من الوعي بحيث يحبطوا هذه التهم.

وقل لي بالله عليك: ما هو الشيء الذي تريده من الداعية حتى يثبت براءته؟ هل تريد منه أن يقول لك: هذا كذب؟ إنه يقول لك بملء فمه: إن هذا كله كذب في كذب في كذب.

لكن ماذا تريد أكثر من ذلك؟ إنسان اتهم بتهمة وليس عليها دليل، هو لا يملك إلا أن يقول لك: إن هذا كذب، ولا يملك هو الدليل، وإذا أردت أن تطلب منه يميناً فخذ يمينه، أما أكثر من هذا فإن الذي يطالب بالدليل هو ذلك الذي يلقي بتلك التهم على دعاة الإسلام، وهي على كل حال كما قيل: شنشة أعرفها من أخزم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015