أولاً: اتهام الدعاة بأنهم يريدون مقاصد دنيوية، مثل السعي لقلب نظام الحكم، وهي شبهة قديمة، ومع ذلك ما فتئوا من ترديدها وما ملوا منها، ومن الطريف المضحك: أن أحدهم قيل له: أنت تسعى إلى قلب نظام الحكم.
قال: لا -هذا في مصر- هو أصلاً نظام الحكم مقلوب، ونحن نسعى إلى تعديله.
والطريف أن الذين يطلقون هذه الكلمة: (السعي إلى قلب نظام الحكم) هم أنفسهم قلبوا نظام الحكم، فلننظر كيف جاء الرئيس التونسي مثلاً، وكيف جاء الرئيس الجزائري، وكيف جاء الرئيس السوري وغيرهم، كيف جاءوا إلى الحكم، هل جاءوا برغبة شعوبهم واختيارهم؛ أم جاءوا على صهوات الدبابات والمدافع، لقد أطلقتها أجهزة الأمن على شباب دون العشرين وهم لا يملكون إلا مقصات الأظافر يقلبون بها نظام الحكم!!! وإن من السهل توزيع الخبر على وكالات الأنباء العالمية لتطير به في كل مكان، وتتحدث عنه في كل مناسبة؛ حتى لا يبقى أدنى ريب أو شك حتى عند المتحمسين للدين، وحتى عند الغيورين، والعقلاء، والواعين -أحياناً- لا يبقى عندهم شكٌ أن الخبر صحيح، وكيف لا يكون الخبر صحيحاً، وقد تصدر الصحف كلها، ونشر بالخط العريض، وقد اعترف المتهمون بالجريمة وقد وقد، وهكذا تتنطلي الحيلة عليهم.
يا أعدلَ الناس إلَّا في معاملتي فيك الخصامُ وأنتَ الخصمُ والحكمُ أخي: عليك المسارعة إلى ما علمك الله: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16] فنحن وسائر دعاة الإسلام، بل وكل مسلم ولو لم يكن داعية معروفاً أو مرموقاً، واجب عليه أن يسعى إلى العمل بشريعة الله سبحانه وتعالى، وتحكيمها في عباده، سواء في دماء الناس أو أعرضهم أو أموالهم {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] والفاسقون الظالمون، وهذا دين الله وقوله، شاء من شاء وأبى من أبى، رضي كم رضي وسخط من سخط؛ لكن اتهام الناس بغير بينة، وانتزاع الإقرارات تحت وطأة التعذيب والتهديد والعسف والإرهاب؛ أمرٌ غير مقبول، ويجب أن يرفضه الجميع، ويرفضوا كل ما نتج عنه.
لقد سمعت أحد المتهمين الذين أعدموا في قضية سابقة حدثت في مصر، وهو يقول للقضاة: إنني أعرف أنني مقتول، ويشرفني جداً أن ألحق بقافلة الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله عز وجل، وإن أجهزة الأمن قد قالت لي قبل أن أحضر هاهنا إلى القاعة أن إذا غيرت شيئاً في اعترافاتي أو إقراراتي التي أخذت مني بالقوة، إذا غيرت شيئاً منها أمام المحكمة؛ فسوف يقتلونني بطريقتهم الخاصة.
ثم قال: لأن أقتل اليوم أحب إلي من أعيش تطاردني أشباح الاغتيال والقتل في كل لحظة.
أيها الإخوة: إن من الأمور العادية أن يتم تزوير اعترافات وشهادات وإدلاءات ونشرها بين الناس، وكما قيل: لا يلام الذئب في عدوانهِ إن يك الراعي عدو الغنمِ ومن المقاصد الدنيوية التي يتهمون الدعاة بها أيضاً: اتهامهم بأخذ الأموال واختلاسها، والتشهير بذلك وترويجه بأجهزة الإعلام، مع عدم إعطائهم فرصة حتى للدفاع عن أنفسهم ولو في نطاق محدود.