ثالثاً: أسلوب التضييق على المؤمنين والحصار.
سواء كان حصاراً اقتصادياً، كما قال المنافقون: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون:7] مساكين! يظنون أن أهل الإيمان طلاب مال وطلاب جاه، وما علموا أن الدرهم والدينار تحت أقدامهم، وأنهم لا يعبئون بالدنيا ولا ينظرون إليها، بل يحتقرونها، ويحتقرون من يسعى في جمعها، وهكذا تعلموا من رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم، فهكذا المؤمنون.
أما المنافقون فظنوا أن المسألة مادية، ولهذا قالوا: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون:7] أي: ينصرفوا إذا لم يجدوا مالاً، ولم يجدوا نفقة، وأيضاً المنافقون بذلك يظنون أن الرزق بأيديهم، وأن العطاء من جيوبهم، فإذا رأوا إنساناً رزق من غير طريقهم تعجبوا واندهشوا، وقالوا من أين جاء لفلان المال؟ ومن أين جاء له هذا العطاء؟ ومن أين جاءت له هذه المزرعة؟ ومن أين جاءه هذا الرزق؟ فإذا حجبوا هم ما بأيديهم ظنوا أن الإنسان يموت جوعاً وعطشاً وفقراً، أو يذهب يتسول ويسأل الناس ما يأكل وما يشرب.
وما علموا أن الله تعالى بيده خزائن السماوات والأرض، وأن الله تعالى يعطي ويرزق من يشاء بغير حساب، قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:3] .
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتروح بطاناً} فهم يظنون أن الحصار الاقتصادي يجعل المؤمنين يتراجعون.