إن هذا الكيد الموجه ضد الإسلام، والموجه ضد المسلمين، لم يكن ليبلغ مبلغه ويحقق أثره لولا أنه وجد آذاناً صاغية من المسلمين، ووجد تربة خصبةً لزرعه في بلاد الإسلام، ولهذا قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112] .
ثم قال في الآية التي بعدها: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الأنعام:113] وقال سبحانه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:120] .
إن من السهل أن نلقي الملامة على عدونا، سواءً الاستعمار، أو الصهيونية، أو الحكومات الجائرة، أو أمريكا، أو القوى الخفية، أو القوى المعلنة، ولكن هذا الكلام ليس دقيقاً، فهو -أعني العدو- إنما نفد من خلالنا، وبحبل منا بلغ ما يريد، حتى الشيطان نفسه، وهو أعظم الأعداء، إنه يقول يوم القيامة في خطبته الشهيرة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22] .
وقد صدق في بعض ما قال وهو كذوب، كما أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، فإنه ما كان له من سلطان، إنما سلطانه على الذين آمنوا به وتولوه، قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99-100] .
وإذا نظرنا اليوم إلى عدونا، وقد نفذ إلى مجتمعاتنا، وإلى بلاد الإسلام كلها، فإننا من الممكن أن نتصور أنه كان يمكن أن يحدث النقيض، وكان من الممكن أن يؤثر جهد المسلمين وكيدهم في عدوهم، وكان هناك احتمال أن يقع غزو فكريٌ إسلامي على الأمم الكافرة، ولكن الذي حصل هو أن أعداء الإسلام قووا وضعف المسلمون، ووجد العدو في المسلمين من القبول والاستجابة ما مكن له، فعلينا أن نلوم أنفسنا، وأن نعود إلى ذواتنا، وأن ندرك أنه ما كان هناك شئ ليحدث لولا أننا تجاوبنا مع هذا الكيد، فحقيق بنا أن نخاطب هذه الأمة المكلومة المجروحة بكلمات الشاعر الذي يقول لها: ادفني قتلاكِ وارضي بالمصيبةْ واذهبي عاصفةِ الليل غريبةْ واحملي العارَ الذي أنجبتهِ وتواري في الزنازينِ الرهيبةْ أنتِ ضيعت البطولات سدى يا شعوباً لم تعلمها المصيبةْ