إمكانية دعوتهم للخير

السبب الثالث: أن وجود هذا العدد الضخم كان من الممكن توظيفه بصورة سليمة لو أننا أفلحنا ونجحنا، فكان من الممكن إعطاء هؤلاء القادمين صورة واقعية جميلة عن المجتمع المسلم العادل النظيف، لكن المؤسف أن معظم هؤلاء يرجعون بانطباعٍ سيء عن هذه البلاد وأهلها، بل إن أي بلدٍ يلقون فيه الإهانة والإذلال سوف يرجعون عنه بالانطباع ذاته، وكيف تظن بعامل كلف بما لا يطيق، وعومل بصورة شرسة لا إنسانية، وعُدِّل العقد معه بعدما وصل إلى هذه البلاد، وأسكن في زرايب لا تصلح لسكنة، الدجاج فضلاً عن الحيوانات، وأخر راتبه شهوراً بل سنوات، ثم سُفِّر على حسابه الخاص، فرجع يجر أذيال الخيبة.

ثم هذا الإنسان لم يواجه من الكثير فحسب، بل واجه من المجتمع كله النظرة المحتقرة، وعدم الاحترام، وعدم التجاوب، وعدم الاهتمام به، وكأننا نتصور أحياناً أن هؤلاء العمال ليسوا داخلين في البشر الذين يشرع الإحسان إليهم، ولو بلقمة العيش، أو بأن تحمله على سيارتك، فإن لم تطق فلو بكلمة طيبة.

أم ماذا تقول عن خادمة سيمت سوء العذاب من ربة المنزل، واقتطع جزء من راتبها، وأهينت في المطار ذاهبة وآيبة، ثم أعيدت إلى أهلها قبل تمام مدة العقد وفي بطنها جنين يتحرك من غير الحلال.

نعم لقد قرأت هذا في صحف طبعت في إندونيسيا، وفي الفلبين وفي تايلند، وهي تشير بأصابع الاتهام والسب والشتم إلى بلاد طهرها الله تعالى وقدسها وباركها، وفضلها وأغناها، وجعلها قبلة المسلمين ومنطلق الرسالة والوحي، تشير بالحق لا بالباطل، وبالوثائق لا بالاتهامات المبهمة.

وكيف تتوقع لو أننا استفدنا من هذا القادم المسلم، فربيناه تربية إسلامية، وثقفناه ثقافة شرعية، وغرسنا في قلبه عقيدة التوحيد، وغرسنا في شخصيته أخلاق الإسلام، وعلمناه أحكام الشرع في العبادات والمعاملات وسائر شئون الحياة.

إذاً لعاد هذا العامل إلى بلده يحمل المنهج السليم، ويبلغه لمن وراءه وكان داعية خير وعدلٍ وصلاح، وكان من الممكن أيضاً أن يستفاد من ذلك العامل الكافر مادمنا قد بلينا به، ومادمنا خالفنا فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن استعمالهم واستقدامهم وإسكانهم هنا، لكن مادام الأمر قد وقع؛ فكان من الممكن دعوتهم إلى الإسلام بالقول وبالفعل وتهيئة الأسباب لذلك من الأشرطة المسموعة بلغتهم، والمرئية بلغتهم أيضاً، والكتب، والنشرات، والمطويات، والندوات، والدروس، والجمعيات، والمراكز، والمكاتب التي تهتم بأمر هؤلاء من غير المسلمين؛ ولاشك أن شيئاً من ذلك يحدث، ولكن ليس هذا موضع دراسة مدى نجاح هذه التجربة أو فشلها، إنما لا نشك أن ما يقع هو أقل من المطلوب بكثير.

إننا نعلم أن المسلمين ينصرون، وقبل أيام قرأت خبراً أن أربعة آلاف مسلم عراقي تنصروا على يد منظمات الإغاثة التي تحمل الإنجيل بيد وتحمل الغذاء والدواء والكساء باليد الأخرى، أتدري في أي دولة تنصروا؟ إنني لا أقول لك: في فرنسا ولا في أمريكا ولا في إيطاليا؛ وإنما في بلاد الشام في سوريا، تنصر أربعة آلاف عراقي على يد جمعيات الإغاثة النصرانية، فهذا العدد الكثير موجودين في بلادنا، وقد ذكرت في إحصائية سابقة أن عددهم يزيد على ثلاثمائة وخمسين ألفاً!!! أين المكاتب التي تسعى إلى دعوتهم إلى الإسلام؟ أين الجهود؟ فعلى الأقل إن لم نفلح في دعوتهم إلى الإسلام نشككهم في دينهم أو على أقل تقدير ليضعف حماسهم لعقيدتهم، وربما يشك اليوم ويسلم غداً أو بعد غد، المهم السهم الذي لا يقتل فإنه يصيب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015