ضعف العامل

السبب الرابع: أن العامل في موضع الضعف بطبيعته وحكم موقعه، وهذا يجعله عرضةً للظلم والاضطهاد من الكثيرين الذين لا يحترمون إلا منطق القوة، فالكفيل قد يظلمه، والمدير قد يبخس حقه، وصاحب العمل قد يحتقره ويوبخه ويعاتبه، والمواطن العادي لا يلتفت إليه، وينسى هؤلاء جميعاً أن هذا الرجل قد يكون مسلماًٍ صالحاً له عند الله تعالى منزلةٌ عظيمة.

وليست العبرة عند الله تعالى بحسن البزة، ولا برفعة المنصب، بل بحال المضغة التي إذا أصلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله تعالى لأبره} .

إن الضعفاء هم أتباع الأنبياء، قالوا: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود:27] وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس {أن أبا سفيان سأله هرقل: فأشراف الناس يتبعونه -يعني يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم- أم ضعفاء الناس هم قال بل ضعفاؤهم، قال: وكذلك الأنبياء يتبعهم ضعفاء الناس} .

بعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الأكابر أبو جهل وأبو لهب وعتبة وشيبة والملأ المستكبرون قالوا له: كذبت إن هذا لشيء يراد، وقاله له الفقراء والضعفاء والشباب وغيرهم صدقت وآمنوا به وصدقوه واتبعوا النور الذي أنزل معه.

فإن كنت رجلاً مؤمناً فلا تحتقرن أحداً، ولو كان بأسمال بالية، ولو كان على وجهه ويده أثر العمل، ولو كان لا ينطق ولا يبين، وتواضع لرب العالمين.

ولأن هذا العامل ضعيف لا يملك القدرة على رفع الظلم عن نفسه، ولا يجد من يدافع عنه إلا احتساباً، كان واجباً علينا جميعاً أن ننتدب للمدافعة عن المظلومين.

وما إن أعلنت هذا الدرس حتى انهالت عليَّ الأوراق والشكاوى والوثائق تدل على أن عدداً كبيراً من هؤلاء يسامون سوء العذاب، ولا يجدون الجهة التي يشتكون إليها، لأن صاحب العمل قد أتقن اللعبة، وحبك المؤامرة، ونظَّم الخيوط كما سوف يبين لك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015