رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن الرؤيا الصالحة رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وأنس وقتادة وأبي سعيد المتفق عليها، أنه صلى الله عليه وسلم قال: {من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي} أو {لا يتكونني} على اختلاف في ألفاظ الحديث.

فكل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فهذه بشارة له، فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، بل الصورة التي رآها في المنام هي صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لكن لا بد من التنبيه في ذلك على أمور: أولها: أن تكون رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على صورته المعروفة، فلا بد أن يكون الرائي يعرف ويعلم صورة صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجسدية من خلال قراءته في كتب السنة والسيرة، فيعرف حاله وطوله وشعره وما أشبه ذلك، أما لو رأيت شخصاً في المنام على غير هيئة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يلزم من هذا أن يكون هو الرسول، كما إذا رأيت شخصاً طويلاً بائن الطول أو قصيراً بائن القصر أو نحيفاً بائن النحافة أو سميناً بائن السمن، أو رأيته علىهيئة لا تليق بالنبي صلى الله عليه وسلم كأن يكون عليه أثر معصية أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يكون الرسول عليه الصلاة والسلام، بل يكون الشيطان صور للإنسان صورة في منامه ثم لبس عليه أنه الرسول وليس كذلك.

كما أن بعض الناس -وهذا يحدث- قد يرون في المنام ويلبس عليهم الشيطان أن هذا ذو الجلال والإكرام وكما سبق أن ذكرت لكم في قصة عبد القادر الجيلاني رحمه الله، وهذا يكون من الباطل غالباً، فالإنسان لا يمكن أن يرى ربه في هذه الدنيا، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث الدجال: {تعلمون أنه أعور يقول: أنا ربكم، واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا} وإن كان بعض أهل العلم قال: إن العبد الصالح يمكن أن يرى ربه في المنام، لكن الحقيقة غير ذلك، والله تعالى أعلم.

لأننا لا يعلم كيف هو سبحانه إلا هو، ولذلك لا يمكن أن يميز الإنسان إذا رأى في المنام أن يعرف أن من رأى هو الله، أو أن يكون الشيطان لبس عليه، فتحسم مادة هذا الباب أصلاً، فهذا هو الأولى، وفي المسألة خلاف، ونقل عن الإمام أحمد وغيره اختلاف في ذلك والله تعالى أعلم.

إذن لا بد في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون عالماً عارفاً بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أن لاتقبل ممن ترى في المنام أنه رسول أن يأمرك أو ينهاك عن أمر يخالف الشرع، ولذلك ذكر الشاطبي رحمه الله في الاعتصام أن الكتاني رأى في المنام رجلاً يقول: إنه رسول الله، فقال له: ادع الله ألا يميت قلبي، فقال له: قل كل يوم أربعين مرة: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت! فقال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى وهو الفقيه الفحل المحقق: أما كون الذكر سبباً لحياة القلب فهذا لا شك فيه، وأما ذكر الله تعالى بالوحدانية فهو من أعظم الأذكار، وكذلك الدعاء يا حي يا قيوم، فكل هذا وارد في الكتاب والسنة، لكن تخصيص أن يقول هذه الكلمة أربعين مرة كل يوم هذا لم يرد في السنة النبوية، ولذلك فالقول بأنه مشروع للكتاني أو لغيره هو أمر باطل لا يمكن أن يقال به.

ومثله ما ذكره الشاطبي عن ابن رشد وكان قاضياً، أنه جاءه رجلان من العدول الثقات يشهدان على فلان، فلما نام رأى في المنام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أتى وقال له: لا تقبل شهادة هذين الرجلين فإنهما كاذبان، فلما استيقظ تردد، ثم جزم بقبول شهادتهما ورد هذه الرؤيا؛ لأن الرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي كما سبق، ولا مدخل لها في تقرير الأحكام، وسيمر شيء من ذلك لا يخلو من طرافة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015