الرؤيا الصالحة يراها الأنبياء، والرؤيا الحق لا شك أنها وحي، ويراها الصالحون كذلك، وكذلك قد يرى الرؤيا الصالحة أناس مستورون -لا يعرفون بصلاح ولا بغير ذلك- ولكن هذا ليس كثيراً وأما الفسقة والكفار فقلما يرون الرؤيا الصالحة، نعم قد يرون رؤيا تأتي كما رأوها، فهذا لا شك أنه يحدث للكافرين ويحدث للفساق من المؤمنين، ولعل من أصح وأصرح أمثلتها، أي: ما ورد في القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} [يوسف:43] فهذه الرؤيا رآها الملك وكان كافراً وعبرها له يوسف عليه السلام فكانت رؤيا حق، {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف:47-49] .
وكذلك الرجلين اللذين كانا مع يوسف في السجن: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36] فأخبرهما: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف:41] .
فقد ذكر بعض أهل التفسير أن الآخر كان كاذباً في رؤياه، فلما قال له يوسف: تصلب فتأكل الطير من رأسك، قال: إني كنت كاذباً، فقال يوسف: قضي الأمر الذي كنتم فيه تستفتيان، والله أعلم إن كانت هذه الرواية في كذب الرائي حقاً أو كاذباً فالله تعالى أعلم بذلك.
ومما يضرب به المثل على إمكانية أن يرى الفاسق أو الكافر الرؤيا وتكون حقاً، يذكرون أن بختنصر رأى في المنام رؤيا فسرها له المعبرون أنه يفقد ملكه، وكذلك كسرى رأى فقدان ملكه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك عاتكة عمة الرسول صلى الله عليه وسلم رأت أن حجراً سقط في مكة وطار إلى كل مكان منه شظية، وأول هذا بفتح مكة على يد المؤمنين أو نحو ذلك.
المهم أن الكافر أو الفاسق يندر أن يرى الرؤيا الحسنة، أما المؤمن الصالح فأكثر رؤياه رؤيا حسنة، وهذا نظيره أن المؤمن أكثر حديثه الصدق، والكافر أكثر حديثه الكذب، ولكن قد يصدق الكاذب، حتى الشيطان قد يصدق أحياناً كما قال صلى الله عليه وسلم: {صدقك وهو كذوب} .
وكذلك ورد أن الكهان والعرافين والمنجمين قد يخلط الواحد منهم كلمة الحق أو الصدق بتسع وتسعين كذبة، فتكون واحدة صواباً، والباقي كذب، فكذلك رؤياهم قد يكون فيه الحق ولكنه قليل نادر.