ندوة في لندن عن التطرف

لكنني أضيف الآن بعض الموضوعات المتعلقة بعنوان المحاضرة، وهو (حقيقة التطرف) فقد سمعت بعد هذا العنوان ندوة عقدت وأذيعت في إذاعة لندن عن هذا الموضوع، وتكلم فيها كثير من الناس، ولم أسمع منها إلا قليلاً من الصوت المعتدل، فقد سمعنا في تلك الندوة وهي مسجلة في أكثر من ساعة صوتاً يتهم الإسلام نفسه بالتطرف من هذه البلاد -لا أعني هذه البلاد بالذات- لكن من بلاد الإسلام، ومن نساء ورجال يحملون أسماءً إسلامية، فيقولون: إننا نسمع كثيراً من يفرقون بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف، ونحن لم نسمع إسلاماً معتدلاً قط، -كما تقول إحداهن- فكل ما سمعناه هو تطرف وغلو، وهم يدعون إلى قتل الكفار، بل إلى قتل المسلمين الذين يخالفونهم في الاتجاه، وتقول: إن كل من يحمل أفكاراً علمانية، أو ينادي بفصل الدين عن السياسة وعن الحياة فهو في نظر هؤلاء كافر، وإذا أصر على دعوى الإسلام فإنهم يصفونه بأنه زنديق، ويعتبرونه حلال الدم والمال، ثم قالت أخرى: إن أولادنا يُعَلَّمون في المدارس ألواناً من التطرف وإنهم يصلتون علينا سيف النصوص، فكلما قامت واحدة منا تنادي بتحرر المرأة، أو تغيير أوضاع المرأة العربية، أو إعطائها حقوقها، فإنهم يصفونها بأنها متأثرة بالغرب، ويصلتون عليها سيف النصوص الشرعية -أي القرآن الكريم والسنة النبوية- وكأنها تريد من الناس ألا يقرءوا آية ولا يقرءوا حديثاً رعايةً لخاطرها لأن هذه الآية وهذا الحديث يدلان على أن هذا هو الإسلام وما عداه هو الباطل، وماذا بعد الحق إلا الضلال.

ولم يقتصر أمرهم عند حد مطالبة المسلمين بالكف عن الرد على الخصوم أو عيبهم، بل وصل الأمر إلى حد أن يقولوا: لا نريد منكم أن تقرءوا الآيات القرآنية ولا أن تقرءوا الأحاديث النبوية.

لأنكم بذلك تستغلون سيفاً اسم سيف النصوص أو السيف النصي الذي تحاربون به كل من يخالفكم، ونقول لهم ولهن: ليس علينا عيبٌ إلا أننا نرجو أن نكون وقافين عند حدود الله، ملتزمين بالنص قرآناً وسنة، أما أنتم فلا: وكل خلاف بيننا فلأننا وعيناه في ضوء الكتاب ولم تعوا فهذا طرف.

الطرف الثاني: يدافع عن الإسلام، ولكنه ضمن دفاعه عن الإسلام يُحَمِّلَ الإسلام ما لا يحتمل، فيقول: الإسلام دين التسامح ودين الحرية، والمسيحيون -كما يسميهم- إخواننا، والإسلام يفتح لهم ذراعيه، ويحفظ لهم إلى غير ذلك من الكلمات المطاطة الواسعة التي بموجبها فقد المسلمون معنى الولاء والبراء، معنى البراءة من المشركين والكفار، معنى الالتزام والتميز بهذا الدين، فصار كثير، من المنسوبين إلى الإسلام وإلى العلم الشرعي والى الجامعات والمؤسسات الإسلامية يتكلمون عما يسمونه إخواننا الأقباط في مصر، ويعطونهم من عبارات الثناء والترحيب والتكرمة ما لا يعطونه حتى لإخوانهم المسلمين ممن يصمونهم بأنهم متطرفون، ويرمونهم بأبشع الألقاب وأحط الأوصاف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015