أمرٌ آخر: نشرت صحيفة مصرية اسمها روز اليوسف مقالاً طويلاً عما أسمته التطرف المسيحي، وقالت: إنه كما يوجد متطرفون في الإسلام، هناك متطرفون في المسيحيين، وذكرت جماعة التكفير والهجرة عند النصارى ومن يرأسها ومعلومات كثيرة، الغريب في الأمر أنها تكلمت مع زعيم من زعماء الأقباط يسمى البابا شنودة وكان يتكلم بقوة، وقال لا يوجد تطرف مسيحي أو نصراني أبداً! ولو وجد لكانت أجهزة الأمن المصرية قد قبضت عليه وأصبح يدافع عن بني قومه.
وأقول: يا ليت أن يوجد في المسلمين وعلمائهم هناك وفي كل مكان من يدافع عن أعراض المسلمين، والذين يزج بهم في السجون ويعلقون على أعواد المشانق، وتصدر الآن القوانين والأنظمة الرسمية التي تعطي رجل الأمن الحق في قتل المسلم في الشارع، ويقول رئيس دولة إسلامية كبرى: مش عاوزين محاكمات ووجع رأس، نريد أي إنسان متطرف يضرب بالرصاص في الشارع وننتهي من أمره، لا نريد تحقيقات وأخذ ورد.
وقد أصدرت مصر كما سمعتم جميعاً ما أسمته بالتنظيم المتعلق بمحاربة التطرف كبرنامج أو جدول قد أقرته وأصبح الآن موضع التنفيذ، فيا ليت أنه يوجد من علماء الأزهر، أو من علماء الإسلام من يدافع عن حقوق المسلمين هناك، كما دافع ذلك القبطي النصراني عن حقوق بني قومه وبني جنسه وبني دينه من النصارى.
والغريب أن -مجلة روز اليوسف - ذكرت بعد هذا التقرير مقالاً مختلقاً ووضعته أيضا على الغلاف الرئيسي، ومع هذا كله فإنها بيعت وتداولت وقرأها الناس هنا وهناك، هذا الخبر المختلف يتعلق بدير يوجد في سينا اسمه سان كاتريك، قالت المجلة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حفظ لهذا الدير مكانته وكرامته بخطابٍ موجود محفوظ وبشهادة عشرين من الصحابة، ثم ذكرت خطاباً مكتوباً تزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتبه، وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الذي قام بخطه، وأن عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شهدوا عليه، وأن هذا الخطاب وجد في ذلك الدير الموجود في سينا.
وقد صدّقت الصحيفة هذه الرسالة ونشرتها، وقالت: هذا دليل على حماية الرسول صلى الله عليه وسلم للأقباط والنصارى وحفظ كرامتهم، وأن المتطرفين في مصر وغيرها يخالفون هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
ونحن نقول: الإسلام يحفظ كرامة الإنسان، وأهل الذمة في الإسلام لهم حقوقهم المعروفة، وقد تكلم عنها العلماء قديماً وحديثاً، وممن تكلم عنها الإمام الفذ ابن القيم رحمه الله في كتاب أحكام أهل الذمة وهو مطبوع في مجلدين، وممن تكلم عنها من المعاصرين الدكتور عبد الكريم زيدان وهو فقيه عراقي في كتاب ضخم سماه أحكام الذميين والمستأمنين ولكن مَنْ قال: إن النصارى في مصر أو غيرها قد حفظوا الأمانة ورعوا العهد؟! وصلتني رسائل تقول: إن النصارى يقتلون المسلمين ويعتدون عليهم، بل ويعتدون على أعراض المسلمات، ويوجد في الجامعات هناك وفي بلادٍ أخرى شبكات نصرانية مهمتها اصطياد الفتيات المؤمنات والإيقاع بهن وتصويرهن على أوضاع سيئة، ثم تهديدهنَّ بأن ينخرطن في تيار الفساد والرذيلة والبغاء، وإلا فضحوهن على رؤوس الأشهاد ولدى أقاربهن ومحارمهن، فضلاً عن نشر المخدرات وغيرها، وكل القائمين بكل بهذه الأمور هم من النصارى.
مَنْ قال: إن الأقباط والنصارى في مصر أو في غيرها قد حفظوا العهد والميثاق؟! وهم يكتبون كثيراً كتابات تنال من الإسلام ومن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل من رب العزة عز وجل فضلاً عن المسلمين؟! ومن المعلوم أنه لو فرض أن هناك يهودي أو نصراني له عهد وميثاق فسب الله ورسوله، فإنه ينتقض عهده وميثاقه بذلك.
ثم مَنْ قال: إن الأمر الذي يحدث هو مجرد صراع بين النصارى والمسلمين؟! وأن الحكومة تحاول إيقاف ما يسمى بالفتنة الطائفية؟! إنني متأكد أن المقصود أن يثبت بعض من ينتسبون إلى الإسلام للغرب ويقدموا له شهادة حسن السيرة والسلوك، أنِ انظروا في أي مشكلة تحصل بين المسلمين والنصارى نحن نقف مع النصارى ضد المسلمين، هذا هو الذي يراد أن يقال، هي رسالة للغرب ولأمريكا بالذات، أنه نحن الآن علمانيون بما فيه الكفاية، ونحن لا نفرق بين المسلم والنصراني، بل على العكس نحن نقف مع النصراني ضد المسلم، ولذلك لم نجد ولا صحيفة مصرية واحدة تكلمت عن حقوق المسلمين المسلوبة، ولا -على الأقل- أفسحت المجال لهم أن يدافعوا عن أنفسهم، ولكن كانت جميع الصحف تدافع عن النصارى؟ لأنها تمثل الرأي الرسمي.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] هذا حكم الله عز وجل: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة:52] يخشون من النظام الدولي الجديد {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:52] ولا شك أن هذه الوثيقة التي نشرتها مجلة روز اليوسف ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثيقة مكذوبة مختلقة لم يذكرها أحد من أهل العلم بالتاريخ والأخبار فضلاً عن المحدثين وغيرهم، فهي وثيقة مختلفة مزورة، وهي تشبه الوثيقة التي زورها اليهود، وأشهدوا عليها مجموعة من الصحابة، ثم ثبت أنها وثيقة مختلقة بشهادة التاريخ نفسه، وتكلم عنها الإمام الخطيب البغدادي، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم، وكانوا قد أشهدوا عليها مجموعة من الصحابة، وزعموا أنها كتبت يوم خيبر، مع أن أولئك الصحابة لم يكونوا أسلموا يومئذٍ.