تحريم إجبار البكر على النكاح

وفي صفحة [99،97،96] ذكر رحمه الله مسألة عدم إجبار البكر على النكاح، حتى تستأذن فقال وموجب هذا الحكم -أي: تحريم إجبار البكر- أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح، ولا تزوج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السلف ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه، وهو القول الذي ندين الله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته.

أما موافقته لحكمه فإنه حكم بتخيير البكر الكارهة.

إلى أن قال: وأما موافقته لأمره فإنه قال: {والبكر تستأذن} وهذا أمر مؤكد.

إلى أن قال: وأما موافقته لنهيه، فلقوله: {لا تنكح البكر حتى تستأذن} .

إلى أن قال: وأما موافقته لقواعد شرعه، فإن البكر البالغة العاقلة الرشيدة لا يتصرف أبوها في أقل شيء من مالها إلا برضاها، ولا يجبرها على إخراج اليسير منه بدون رضاها، فكيف يجوز أن يُرِقَّها، ويخرج بُضعها منها بغير رضاها، إلى من يريده هو.

وأما موافقته لمصالح الأمة، فلا يخفى مصلحة البنت في تزويجها بمن تختاره وترضاه، وحصول مقاصد النكاح لها به، وحصول ضد ذلك بمن تبغضه وتنفر عنه، فلو لم تأت السنة الصريحة بهذا القول، لكان القياس الصحيح وقواعد الشريعة لا تقتضي غيره، وبالله التوفيق".

وهذه مسألة مهمة -أيها الإخوة- فكثير من الآباء اليوم يتساهلون في تزويج البنت البكر، ممن يريدون هم، إما لكونه ثرياً أو لكونه قريباً أو لغير ذلك من الأغراض، وهذا حرام لا يجوز إذا كانت لا ترضى به، ومن حقها أن تطالب بالفسخ.

ونجد في واقع المجتمعات في عصرنا هذا من الآثار السلبية الضارة -من انتشار الزنا والخيانة الزوجية- الكثير بسبب هذه القضية؛ لأن الأب إذا زوج البنت من رجل لا تريده، فالغالب أنه لا يحصل وفاق؛ لأن المرأة إذا دخل عليها الزوج وهي في نفسها لا تقبله، فالغالب أنها تبقى على ما كانت عليه، والمرأة فيها من الشهوة مثل ما في الرجل، فلذلك إذا أصر الأب وأصر الزوج على التمسك بهذه المرأة، ولم يكن عنده وازع من الإيمان والخوف من الله عز وجل يزعه، فقد تفكر في الخيانة، وخاصة حين يكون كبير السن.

وكثير من القضايا التي توجد في الدوائر الرسمية، يكون السبب فيها مثل هذا الأمر، وخاصة أن الزوج يكون مسناً، فلا يعطي المرأة ما تريد، وهي شابة في سن الشباب والفتوة والقوة والحيوية، فلا تجد عنده ما تريد من العواطف، ومن إشباع غريزتها إلى غير ذلك، فيقع ما لا تحمد عقباه، ويحصل أيضاً حالات طلاقٍ كثيرة بسبب هذا الأمر؛ فليس من حق الأب أن يزوج بنته ممن لا تريد، كما أنه ليس من حقه أن يأخذ المهر، فالمهر في الواقع للبنت، وليس للأب، وكون بعض الآباء لا يخافون الله عز وجل، فيزوج ابنته بمبالغ طائلة، ثم يأخذ هذا المال؛ فهذا المال حرام وسحت، يأكله سحتاً، ولا يجوز له أن يأخذ قرشاً واحداً إلا برضاها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015