وفي صفحة [92،91] ذكر رحمه الله مسألة أخذ الجزية من الناس، وهل تؤخذ من غير أهل الكتاب وهذه مسألة فيها خلاف.
فبعضهم قالوا: تؤخذ من اليهود والنصارى فقط، وبعضهم قال تؤخذ من اليهود والنصارى والمجوس، لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وبعضهم قال: تؤخذ من سائر المشركين والكفار.
قال الشيخ رحمه الله في صفحة [91] ولم يأخذها صلى الله عليه وسلم من مشركي العرب، فقال أحمد والشافعي: لا تؤخذ إلا من الطوائف الثلاث التي أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، وهم اليهود والنصارى والمجوس، ومن عداهم فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل، وقالت طائفة: في الأمم كلها إذا بذلوا الجزية قبلت منهم، أهل الكتابين بالقرآن، والمجوس بالسنة، ومن عداهم ملحق بهم، لأن المجوس أهل شرك لا كتاب لهم، فأخذها منهم دليل على أخذها من جميع المشركين، وإنما لم يأخذها صلى الله عليه وسلم من عبدة الأوثان من العرب، لأنهم أسلموا كلهم قبل نزول آية الجزية، فإنها نزلت بعد تبوك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرغ من قتال العرب، واستوثقت كلها له بالإسلام، ولهذا لم يأخذها من اليهود الذين حاربوه " إلى آخر ما قال.
وقال: وفرقت طائفة ثالثة، بين العرب وغيرهم، فقالوا: تؤخذ من كل كافر إلا مشركي العرب.
ورابعة فرقت بين قريش وغيرهم وهذا لا معنى له، فإن قريشاً لم يبق فيهم كافر يحتاج إلى قتاله، وأخذ الجزية منه البتة، إلى آخر ما قال.
والظاهر -والله تعالى أعلم- أن القول بأخذها من سائر المشركين، قول قوي، ويشهد له ما رواه مسلم من حديث سليمان بن بريده عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: {إذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال> >} وذكر فيها الجزية، فدل على أن الجزية تؤخذ من كل مشرك؛ يهودياً كان أو نصرانياً أو مجوسياً أو وثنياً، ولعل مما يؤيد ذلك قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] .