أما الناحية السياسية: فتحاول الحكومة البوسنوية الآن أن تستفيد من جميع القنوات السياسية المتاحة، وهي تعلم أن الغرب يريد أن يضعف هذه الجمهورية حتى تدوم حاجتها إليهم، وهذا ظاهر من قراراتهم التي لا تعدو أن تكون حبراً على ورق، ولم يوجد ضغط حقيقي من هذه الحكومات، وإن كانت تزعم كذباً أنها تضغط على حكومة صربيا من أجل أن تسحب قواتها، لكن الإخوة هناك يعلمون أن هذه الأخبار أخبار مزورة وغير صحيحة، والمجموعة الأوروبية وهي تجتمع لتعاقب صربيا -كما يزعمون- تخرج بقرارات كلها لا تعدو عن كونها لفت نظر بوجوب سحب هذه القوات.
لماذا؟ لأن هذه الدولة -صربيا- تسفك دماء المسلمين، وهي دولة نصرانية كافرة مثلهم، وليس لهم مصلحة في إضعافها كمصلحتهم في إضعاف الكثير من الدول الإسلامية كما شاهدناه في حرب الخليج، وهذا الشيء ليس بغريب عنهم، بل متوقع منهم، ومثله ما يصدر من قرارات هيئة الأمم المتحدة التي هي في الواقع لا تعدو أن تكون ألعوبة في يد الولايات المتحدة تصرفها كما شاءت، وتديرها كما يحلو لها، وكما يتمشى مع مصالحها، فهذا أمر متوقع حتى للمسلمين هناك في البوسنة كانوا يتوقعون ذلك، ويعلمون أن الغرب الكافر لا يريد دولة إسلامية في أوروبا كما صرح بذلك الرئيس الفرنسي، أقول: لكن الذي لم يتوقعوه ولم يخطر على بالهم، وحز في نفوسهم وآلمهم أشد الألم، هذا الموقف الهزيل من الدول الإسلامية، فدول لم تعترف بهذه الجمهورية المسلمة كالمغرب والجزائر، ودول لم تعترف بها إلا بعد أن اعترف بها الغرب -أوروبا والولايات المتحدة- وكان اعترافها اعترافاً هزيلا، بعكس إيران مع الأسف التي تستغل هذه المواقف وتجريها لمصلحتها، وتدافع في الظاهر عن المسلمين هناك، وتدافع عن حقوقهم، لكن بحمد الله أنهم يعرفون حقيقة الموقف الإيراني منهم، ويزداد ألمهم حينما يرون سكوت الحكومات الإسلامية على هذه المذابح الجماعية والمجازر، وكأن الأمر لا يعني هذه الحكومات الإسلامية من قريب ولا بعيد، فأي إسلام هذا الإسلام؟! وأي موالاة هذه الموالاة؟! بل وصل الحال بهم مع ما حل بهم أنهم قالوا: لو جاء مجرد شجب أو استنكار من الدول الإسلامية لكان لذلك أثره في نفوسنا، ولكان ذلك مؤثراً على الصرب لأن الصرب يهمهم مثل هذه الأمور، بل قالوا: لو جاء تهديد من الدول الإسلامية بقطع العلاقات والمعاملات لكان موقف الحكومة الصربية موقفاً مغايراً لما هي عليه الآن من مذابح ومجازر.
أقول: وهل وصل الضعف بنا أن نعجز حتى عن مثل هذه الأمور، أن نعجز عن مجرد شجب أو استنكار، مع أن مثل هذه الأمور -تعد ضعيفة وهزيلة- أمور لا تنقص منا شيئاً، وهي في نفس الوقت مثمرة للمسلمين هناك، ومن هذا المكان ومن هذا المنبر أذكر المسئولين في الدول الإسلامية عامة وفي هذه الدولة خاصة بمسئوليتهم تجاه ما يتعرض له المسلمون هناك من مجازر، وأشعرهم بتقصيرهم بسبب المواقف التي يقفونها من المسلمين هناك، كذلك أنادي طلبة العلم والدعاة وعلماءنا الأكابر بالوقوف مع إخوانهم، وحث المسئولين على كل ما يقدرون عليه في نصرة إخوانهم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلاميا، وإلا فإن العلماء والدعاة قد قصروا في واجب النصح الذي تحملوه، وهم مسئولون عنه عند الله تعالى، والجميع كذلك كلٌ بحسبه، فإن عضواً من الأمة يقطع ويراد استئصاله، فالله الله أيها المسلمون في إخوانكم ما دام في الأمر مهلة، وقبل أن تندموا حين لا ينفع الندم.