مأساة اللاجئين

فالمسلمون يعيشون في داخل البوسنة أوضاعاً مأساوية لا يعلمها إلا الله، وقد شاهدت أوضاعاً تصور حجم هذه المعاناة والأسى والألم الذي يكابده هذا الشعب الأعزل، وسأذكر بعض هذه المشاهد، وهي نماذج لمشاهد أخرى تتكرر في كل يوم، بل في كل ساعة، فمن هذه المشاهد: رأينا يوم الجمعة بعض اللاجئين الذين وفدوا من تلك البلاد، واستقبلهم المسلمون في المركز الإسلامي في زاغرد وعندما أرادوا ترحيلهم رأيت امرأة مسنة تبلغ السبعين وهي تبكي وحولها ثلاثة أطفال الأكبر منهم يبلغ أربع سنوات وثلاث وسنتين، وهي تبكي ثم تشيح بوجهها عن الناس، فسألنا عن حالها، فقالوا: إنها خرجت من هذه البلاد بعد أن هجم الصرب على منزل ابنها، فأراودوا امرأته عن نفسها فأبت، فقتلوها وبقروا بطنها وتركوا هؤلاء الأطفال، فما كان من أم أبيهم إلا أن هربت بهم بمساعدة بعض المسلمين، حتى وصلت إلى هذا المركز، وهي في حالة من الإرهاق والخوف والتعب والألم والفقر فليس معها شيء غير ثيابها، وعلبة واحدة من الحليب لا تدري لمن تكفي من هؤلاء الأطفال، وهي تناشد المسلمين في المركز أن يبقوها عندهم في المركز، ولا يتركوها تذهب إلى معسكر اللاجئين في سلوفينيا وهي دولة نصرانية كافرة؛ لأن سلوفينيا تستقبل اللاجئين المسلمين استقبالاً سيئاً.

فهذا نموذج من النماذج التي رأينا في تلك الديار، وبعد ذلك قمنا بزيارة لأحد المراكز هناك، جُمع اللاجئون في صالة رياضية واحدة وحشروا -وهي عبارة عن صالة رياضية كأنها غرفة رياضية- جمعوا فيها ما يزيد على مائة وخمسين من الأطفال والنساء والشيوخ، وحالهم لا يعلم بها إلا الله، رأيت امرأة تبلغ الستين وهي تبكي ولا تقف عن البكاء، فسألناها عن ذلك فقالت: إنها مصابة بمرض في القلب، وإنها تركت أولادها السبعة في سراييفو يدافعون عنها ولقد انقطعت أخبارهم ولا تعلم عنهم، ثم طلبت منا أن نلمس الفرش التي ينامون عليها فإذا هي كالحجارة، ثم رأيت والإخوان امرأة تبكي بجانبها وهي دونها في السن، فقالت: إنها تركت أبناءها يدافعون عن سراييفو ولا تعلم عنهم شيئاً، وقد انقطعت أخبارهم منذ أكثر من ثلاثة أيام، ثم رأينا أيضاً امرأة تبلغ الثمانين أو تزيد، وهي لا تتكلم فوقفنا عندها وسألناها عن حالها، فقالت إنها أتت مع ابنتها وأبناء ابنتها وهم أطفال وهم الآن مرضى وبحاجة إلى الحليب، وإنها قد تركت ابنها وزوج ابنتها يدافعون عن بلادها، وما يحزنها هو أن أخبارهم لا تصل إليها وتخاف على هؤلاء الأطفال الذين أنهكهم المرض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015